ويخطىء من يقول إنّ عيسى قد دعاهم إلى عبادته.
(ما كان لبشر أن يوتيَه الله الكتاب والحُكم والنُبوّة ثمّ يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله).
الآية تنفي نفياً مطلقاً هذا الأمر.
أي أنّ الذين أرسلهم الله وأتاهم العلم والحكمة لا يمكن- في أيّة مرحلة من المراحل- أن يتعدّوا حدود العبودية لله.
بل إنّ رسل الله هم أسرع خضوعاً له من سائر الناس، لذلك فهم لا يمكن أن يخرجوا عن طريق العبودية والتوحيد ويجرّوا الناس إلى هوة الشرك.
(ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرُسون).
"الربّاني" هو الذي أحكم إرتباطه بالله.
ولمّا كانت الكلمة مشتقّة من "ربّ" فهي تطلق أيضاً على من يقوم بتربية الآخرين وتدبير أُمورهم وإصلاحهم.
وعلى هذا يكون المراد من هذه الآية: إنّ هذا العمل (دعوة الأنبياء الناس إلى عبادتهم) لا يليق بهم، إنّ ما يليق بهم هو أن يجعلوا الناس علماء إلهيّين فى ضوء تعليم آيات الله وتدريس حقائق الدين، ويصيّروا منهم أفراداً لا يعبدون غير الله ولا يدعون إلاَّ إلى العلم والمعرفة.
يتّضح من ذلك أنّ هدف الأنبياء لم يكن تربية الناس فحسب، بل استهدفوا أكثر من ذلك تربية المعلّمين والمربّين وقادة الجماعة، أي تربية أفراد يستطيع كلّ منهم أن يضيء بعلمه وإيمانه ومعرفته محيطاً واسعاً من حوله.
تبدأ الآية بذكر "التعليم" أوّلاً ثمّ "التدريس".
تختلف الكلمتان من حيث اتّساع المعنى، فالتعليم أوسع ويشمل كلّ أنواع التعليم، بالقول وبالعمل، للمتعلّمين وللأُمّيّين.
أمّا التدريس فيكون من خلال الكتابة والنظر إلى الكتاب، فهو أخصّ والتعليم أعمّ.
﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ﴾ تكذيب لعبده عيسى ﴿وَلَكِن﴾ يقول ﴿كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ﴾ الرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون وهو الكامل علما وعملا ﴿بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ تقرءون أي بسبب كونكم معلمين الكتاب وبكونكم دارسين إذ ثمرة التعليم والتعلم كسب العلم والعمل.