التّفسير
الإسلام أفضل الأديان الإلهيّة:
مرّت بنا حتّى الآن بحوث مسهبة في الآيات السابقة عن الأديان الماضية.
وابتداءاً من هذه الآية يدور البحث حول الإسلام وفيها إلفات لأنظار أهل الكتاب وأتباع الأديان السابقة إلى الإسلام.
تبدأ الآية بالتساؤل: (أفغير دين الله يبغون) أيريد هؤلاء ديناً غير دين الله؟
وما دين الله سوى التسليم للشرائع الإلهية، هي كلّها قد جمعت بصورتها الكاملة الشاملة في دين نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم).
فإذا كان هؤلاء يبحثون عن الدين الحقيقي فعليهم أن يسلموا.
(وله أسلمَ مَن في السماوات والأرض).
يبدأ القرآن بتفسير الإسلام بمعناه الأوسع، فيقول: كلّ مَن في السماوات والأرض، أو جميع الكائنات في السماوات والأرض، مسلمون خاضعون لأوامره (طوعاً وكرهاً).
هذا الإستسلام والخضوع يكون "طوعاً" أو إختيارياً أحياناً، إزاء "القوانين التشريعية"، ويكون "كرهاً" أو إجبارياً أحياناً أُخرى، إزاء "القوانين التكوينية".
ولتوضيح ذلك نقول: إنّ لله نوعين من الأمر في عالم الوجود.
فبعض أوامره يكون بشكل (قوانين طبيعية وما وراء طبيعية) تحكم على مختلف كائنات هذا العالم، فهي خاضعة لها خضوع إكراه وليس لها أن تخالفها لحظة واحدة، فإن فعلت- فرضاً- يكتب لها الفناء والزوال.
هذا نوع من "الإسلام والتسليم" أمام أمر الله.
وبناءً على هذا فإنّ أشعة الشمس التي تسطع على البحار، وبخار الماء الذي يتصاعد منها، وقطع السحاب التي تتواصل، وقطرات المطر التي تنزل من السماء والنباتات التي تنمو بها، والزهور التي تتفتح لها، جميعها مسلّمة، لأنّ كلاًّ منها قد أسلم للقوانين التي فرضها عليها قانون الخليقة.
والنوع الآخر من أوامر الله هي "الأوامر التشريعية" وهي القوانين التي ترد في الشرائع السماوية وتعاليم الأنبياء.
إنّ التسليم أمامها تسليم "طوعي" أو إختياري.
فالمؤمنون الذين يسلمون لها إنّما هم وحدهم المسلمون.
إنّ مخالفة هذه القوانين والشرائع لا تقلّ- على كلّ حال- عن مخالفة القوانين التكوينية، لأنّ مخالفتها تبعث على الإنحطاط والتخلّف والعدم.
ولمّا كانت "أسلم" مستعملة في هذه الآية بالمعنى الأوسع للإسلام، أي المعنى الذي يشمل النوعين من أوامر الله، لذلك فهي تقول إنّ فريقاً يسلم طوعاً ـكالمؤمنين- وفريقاً يسلم كرهاً- كالكافرين- أمام القوانين التكوينية.
وهكذا نجد أنّ الكافرين الذين يمتنعون عن التسليم أمام بعض أوامر الله مجبرين على التسليم أمام بعض آخر من أوامر الله.
فلماذا إذاً لا يسلمون لجميع قوانين الله ودينالحقّ؟
هناك احتمال آخر في تفسير هذه الآية ذكره كثير من المفسّرين، وإن لم يتعارض مع ما قلناه آنفاً، وهو: أنّ المؤمنين وهم في حال من الرفاه والهدوء يسيرون نحو الله بملء إختيارهم.
أمّا غير المؤمنين فلا يسيرون نحو الله إلاَّ عندما تحيق بهم البلايا والمشكلات التي لا تطاق، فيدعونه ويتوسّلون إليه، فمع أنّهم في الظروف العادية يشركون به، فإنّهم في الشدائد والملمّات لا يتوجّهون إلاَّ إليه.
ويتضح ممّا تقدّم أن "مَن" في جملة (من في السماوات والأرض) تشمل الموجودات العاقلة وغير العاقلة، فبالرغم من كونها تستعمل عادة للعقلاء، إلاَّ أنها قد تكون عامّة للتغليب.
و "طوعاً" إشارة إلى الموجودات العاقلة المؤمنة، و "كرهاً" إشارة إلى الكفّار وغير العقلاء.
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ﴾ وقرىء بتاء الخطاب وقدم المفعول لتوجه الإنكار إليه ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ طائعين بالنظر إلى الحجج وكارهين بالسيف ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ بالتاء والياء.