سبب النّزول
يستفاد من مؤلفات الشيعة والسنّة وما ذكروه في سبب نزول هذه الآية أن "شأس بن قيس" وكان شيخاً من اليهود (قد اسن)، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، مرّ ذات يوم على نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من الفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم- إذا اجتمع ملؤهم بها- من قرار، فأمر شاباً من يهود كان معه، فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثمّ أذكر يوم "بعاث" وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا ما يتقاولون فيه من الأشعار.
وكان يوم "بعاث" يوماً اقتتلت فيه الأَوس والخزرج، وكان الظفر فيه يومئذ للأَوس على الخزرج، وكان يرأس الأوس يومئذ حضير بن سماك الأشهلي أبو أسيد بن حضير، ويرأس الخزرج يومئذ عمرو النعمان البياضي، فقتلا جميعاً.
ففعل ذلك الشاب ما أراده "شأس" فتكلّم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتّى تواثب رجلان من الحيين، وتقاولا، وراح أحدهما يهدد الآخر، وكادت نيران الإقتتال تتأجج بينهم من جديد.
فبلغ ذلك رسول الله (ص) فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتّى جاءهم، وقال: " يا معشر المسلمين الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بين قلوبكم"؟ فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً ثمّ انصرفوا مع رسول الله (ص) سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله "شأس بن قيس"، فأنزل الله تعالى هذه الآيات الأربع، الأوليان في شأس بن قيس وما صنع.
والآخريان لانذار المسلمين وتحذيرهم.
التّفسير
مفرقو الصفوف ومثيرو الخلاف:
بعد أن فعل بعض العناصر اليهودية الحاقدة فعلتها وكادت أن تشعل نيران العداوة بين المسلمين نزل- كما عرفت في سبب النزول- قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون) والمخاطب في هذه الآية هم أهل الكتاب ويقصد منهم هنا اليهود، فالله سبحانه يأمر نبيه في هذه الآية أن يسألهم معاتباً عن علّة كفرهم بآيات الله في حين أن الله يعلم بأعمالهم.
والمراد من آيات الله المذكورة في هذا المقام إما الآيات الواردة في التوراة حول الرسول الأكرم (ص) وعلائم نبوته، أو مجموعة الآيات والمعجزات التي نزلت على نبي الإسلام، وتحققت على يديه، وكشفت عن حقانيته، وصدق دعوته، وصحّة نبوته.
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ﴾ الدالة على صدق محمد ﴿وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾ فيجازيكم بها.