لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول كانت بين "الأوس" و"الخزرج" القبيلتين الكبيرتين القاطنتين في يثرب حروب طويلة دامية ومنازعات استمرت ما يقرب من مئة عام، وكانت المعارك والمناوشات تنشب بينهم بين فترة واُخرى وتكلف الجانبين خسائر جسيمة في الأموال والأرواح. كلّ ذلك كان أيّام الجاهلية قبل بزوغ الإسلام وطلوع شمسه على تلك الربوع. وقد كان ممّا وفق له الرسول ونجح فيه أكبر نجاح- بعد هجرته إلى المدينة (يثرب)- هو تمكنه من وضع حد لتلك المعارك والمناوشات وتلكالمذابح والمجازر، وإقرار الاخاء مكان العداء وإحلال السلام محلالحروب، وتشكيل جبهة متحدة متراصة الصفوف، قوية البنيان والأركان فيالمدينة المنورة. ولكن حيث أن جذور النزاع كانت قوية وعديدة جداً، كان ذلك الإتحاد يتعرض أحياناً لبعض الهزات بسبب بعض الإختلافات المنسية التي كانت تطفو على السطح أحياناً فتشتعل نيران النزاع بعد غياب، ولكن سرعان ما كانت تختفي مرّة اُخرى بفضل تعليمات النبي العظيم (ص) وحكمته، وتدبيره. وقد لاحظنا في الآيات السابقة نموذجاً من تلك الإختلافات المتجددة التي كانت تبرز على أثر التحريكات التي كان يقوم بها الأعداء الأذكياء، ولكن هذه الآيات تشير إلى نوع آخر من الإختلافات التي كان يسببها الأصدقاء الجاهلون، والعصبيات العمياء والحمقاء. يقال: افتخر رجلان من الأوس والخزرج هما "ثعلبة بن غنم" و "أسعد بن زرارة" فقال ثعلبة: منا خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، ومنا حنظلة غسيل الملائكة ومنا عاصم بن ثابت بن أفلح حمي الدين، ومنا سعد بن معاذ الذي رضي الله بحكمه في بني قريظة، وقال أسعد منا أربعة أحكموا القرآن: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد ومنا سعد بن عبادة خطيب الأنصار ورئيسهم: فجرى الحديث بينهما فغضبا وتفاخرا وناديا فجاء الأوس إلى الأوسي، والخزرج إلى الخزرجي ومعهم السلاح، فبلغ ذلك النبي (ص) فركب حماراً وأتاهم، فأنزل الله هذه الآيات فقرأها عليهم فاصطلحوا. التّفسير الدعوة إلى التقوى: في الآية الأُولى من هاتين الآيتين دعوة إلى التقوى لتكون التقوى مقدمة للإتحاد والتآخي. وفي الحقيقة أن الدعوة إلى الإتحاد دون أن تستعين هذه الدعوة وتنبع من الجذور الخلقية والإعتقادية، دعوة قليلة الأثر، إن لم تكن عديمة الأثر بالمرّة، ولهذا يركز الإهتمام في هذه الآية على معالجة جذور الإختلاف، وإضعاف العوامل المسببة للتنازع في ضوء الإيمان والتقوى، ولهذا توجه القرآن بالخطاب إلى المؤمنين فقال (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقّ تقاته). يبقى ا ن نعرف أنه قد وقع كلام كثير بين المفسّرين حول المراد من قوله تعالى (حق تقاته) ولكن ممّا لا شكّ فيه أن "حق التقوى" يعد من أسمى درجات التقوى وأفضلها لأنه يشمل اجتناب كلّ إثم ومعصية، وكلّ تجاوز وعدوان، وإنحراف عن الحقّ. ولذا نقل عن الرسول الأكرم (ص) كما في تفسير الدرّ المنثور، وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) كما في تفسير العيّاشي ومعاني الأخبار- في تفسير قوله: (حق تقاته) أنهما قالا: "أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى (ويشكر فلا يكفر)". ومن البديهي أن القيام بهذا الأمر كغيره من الأوامر الإلهية، يرتبط بمدى قدرة الإنسان واستطاعته ولهذا لا تنافي بين هذه الآية التي تطلب حقّ التقوى وأسمى درجاته والآية 16 من سورة التغابن التي تقول: (فاتقوا الله ما استطعتم)فالكلام حول المنافاة بين الآيتين وادعاء نسخ إحداهما بالأُخرى ممّا لا أساس له مطلقاً، ولا داعي له أبداً. على أنه ليس من شكّ في أن الآية الثانية تعتبر تخصيصاً- في الحقيقة- لمفاد الآية الأُولى وتقييداً بالاستطاعة والقدرة، وحيث أن لفظة النسخ كانت- عند القدماء- تطلق على التخصيص، لذلك من الممكن أن يكون المراد من قول القائل بأن الآية الثانية ناسخة للأُولى هو كونها مخصصة للأُولى لا غير. ثمّ إنه بعد أن أوصى جميع المؤمنين بملازمة أعلى درجات التقوى إنتهت الآية بما يعتبر تحذيراً- في حقيقته- للأوس والخزرج وغيرهم من المسلمين في العالم، تحذيراً مفاده: أن مجرد إعتناق الإسلام والإنضمام إلى هذا الدين لا يكفي، إنما المهم أن يحافظ المرء على إسلامه وإيمانه واعتقاده إلى اللحظة الأخيرة من عمره وحياته، فلا يبدد هذا الإيمان بإشعال الفتن وإثارة نيران البغضاء أو بالإنسياق وراء العصبيات الجاهلية الحمقاء، والضغائن المندثرة فتكون عاقبته الخسران، وضياع كلّ شيء ولهذا قال سبحانه (ولا تموتن إلاَّ وأنتم مسلمون). الدعوة إلى الإتحاد بعد أن أوصت الآية السابقة كلّ المؤمنين بملازمة أعلى درجات التقوى ومهدت بذلك النفوس وهيأتها، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ عن الصادق (عليه السلام)، هو أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر ﴿وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ لا تكونوا على حال سوى الإسلام إذا أدرككم الموت وقرىء بالتشديد أي منقادون للرسول ثم الإمام من بعده.