سبب النّزول
عندما أقدم بعض ذوي الضمائر المستيقظة من كبار اليهود مثل عبدالله ابنسلام على ترك دينهم واعتناق الإسلام عمد جمع من رؤوس اليهود إليهم وأنّبوهم لإسلامهم، بل وهددوهم لتركهم دين الآباء، واعتناق الإسلام، فنزلت هذه الآيات لتثبيتهم، وتبشيرهم وتبشير المسلمين بالظفر.
التّفسير
تبشر الآية الأُولى المسلمين الذين يواجهون ضغوطاً شديدة وتهديدات أحياناً من جانب قومهم الكافرين بسبب اعتناق الإسلام، تبشرهم وتعدهم بأنهم منصورون، وأن أهل الكتاب لا يقدرون عليهم ولا تنالهم من جهتهم مضرة، وأن ما سيلحقهم من الأذى من جانبهم لن يكون إلاَّ طفيفاً وعابراً: (لن يضروكم إلاَّ أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثمّ لا ينصرون).
إن هاتين الآيتين تحتويان- في الحقيقة- على عدّة أخبار غيبية، وبشائر مهمة للمسلمين قد تحقق جميعها في زمن النبي الأكرم (ص) وحياته الشريفة وهي:
1- إن أهل الكتاب لا يقدرون على إلحاق أي ضرر مهم بالمسلمين، وأن ما يلحقونه بهم لن يكون إلاّ أضراراً بسيطة، وعابرة (لن يضروكم إلاّ أذى).
2- إنهم لن يثبتوا- فيالقتال- أمام المسلمين، بل ينهزمون ويكون الظفر للمسلمين، ولا يجدون ناصراً ولا معيناً: (وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثمّ لا ينصرون).
3- إنهم لن يستطيعوا الوقوف على أقدامهم ولن يتمكنوا من العيش مستقلين، بل سيبقون أذلاء دائماً، إلاَّ أن يعيدوا النظر في سلوكهم، ويسلكوا طريق الله، أو أن يعتمدوا على الآخرين ويستعينوا بقوتهم إلى حين: (ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلاّ بحبل من الله وحبل من الناس).
ولم يمض على هذه الوعود الإلهية والبشائر السماوية زمن حتّى تحققت برمّتها في حياة الرسول (ص) وخاصّة بالنسبة إلى اليهود القاطنين في الحجاز (بني قريظة، وبني النضير، وبني قينقاع، ويهود خيبر وبني المصطلق) الذين آل أمرهم إلى الهزيمة في جميع ميادين القتال والإندحار أمام القوى الإسلامية بعد أن إقترفوا سلسلة من التحرشات والمؤامرات ضد الإسلام والمسلمين.
﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى﴾ ضررا يسيرا كطعن ووعيد ﴿وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ﴾ منهزمين ولا يضروكم بقتل ولا أسر ﴿ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ﴾ عليكم.