ثمّ إنه يفيدنا القرآن درساً من واقعة "أُحد" في تصحيح خطأ فكري وقع فيه المسلمون فيقول: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) أي هل تظنون أنكم تنالون أوج السعادة المعنوية بمجرد إختياركم لاسم المسلم، أو بمجرد أنكم حملتم العقيدة الإسلامية في الفكر دون أن تطبقوا ما يتبعها من التعاليم؟
لو كان الأمر كذلك لكان هيناً جداً، ولكن ليس كذلك حتماً، فإنه ما لم تطبق التعاليم التي تتبع تلك المعتقدات، في واقع الحياة العملية لم ينل أحد من تلك السعادة العظمى شيئاً.
وهنا بالذات يجب أن تتميز الصفوف، ويعرف المجاهدون الصابرون عن غيرهم.
مزاعم جوفاء
ثمّ إنه كان هناك جماعة من المسلمين- بعد معركة "بدر" واستشهاد فريق من أبطال الإسلام- يتمنون الموت في أحاديثهم ومجالسهم ويقولون: ليتنا نلنا الشهادة في "بدر"، ومن الطبيعي أن يكون بعض تلك الجماعة صادقين في تمنيهم والبعض الآخرون كاذبين يتظاهرون بهذه الأمنية، أو يجهلون حقيقة أنفسهم، ولكن لم يلبث هذا الوضع طويلاً، فسرعان ما وقعت معركة أُحد الرهيبة المؤلمة، فقاتل المجاهدون الصادقون بشهامة وبسالة وصدق وكرعوا كؤوس الشهادة، وحققوا أمانيهم، ولكن الذين كانوا يتمنونها كذباً وتظاهراً ما إن رأوا علائم الهزيمة التي لحقت بالجيش الإسلامي في تلك الواقعة حتّى فروا خوفاً وجبناً، وظنا بنفوسهم وأرواحهم، تاركين الساحة للعدو الغاشم، فنزلت هذه الآية توبخهم وتعاتبهم إذ تقول: (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه، فقد رأيتموه وأنتم تنظرون)فلماذا فررتم وهربتم من الشيء الذي كنتم تتمنونه طويلاً وكيف يفر المرء من محبوبه، وهو يراه وينظر إليه؟
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ إنكاري ﴿أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ﴾ أي ولما تجاهدوا أريد بنفي العلم نفي متعلقه ﴿وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ نصب بإضمار أن.