1- الصبر- كما أشرنا إليه سابقاً- يعني الثبات والصمود، ولهذا جاء في هذه الآية في مقابل "الضعف والإستكانة" كما ويدل على ذلك كون الصابرين في رديف المحسنين إذ قال في الآية الأُولى: (والله يحب الصابرين) وقال في الآية الثالثة (والله يحب المحسنين) وهو إشعار بأن الإحسان لا يمكن إلاّ بالثبات والصمود والصبر، لأن المحسن تواجهه آلاف المشاكل، فإذا لم يكن مزوداً بالصمود والصبر والثبات والإستقامة لم يمكنه الاستمرار في عمله، بل سرعان ما يتركه في خضم المشكلات.
2- إن المجاهدين الحقيقيين هم الذين لا ينسبون الهزيمة إلى غيرهم، أو يسندونها إلى عوامل وأسباب خيالية ووهمية، بل يبحثون عنها في نفوسهم وذواتهم، ويحاولون- بصدق- التخلص منها من خلال تصحيح الأخطاء، وترميم الثغرات، بل لا يتلفظون بكلمة الهزيمة، إنما يعبرون عنها بالإسراف، والإفراط غير المبرر، تماماً على العكس منا اليوم حيث نسعى غالباً لأن نتجاهل هزائمنا بالمرة، وأن ننسبها إلى عوامل خارجية لا تمت إلى ذواتنا بصلة، ولا ترتبط بسلوكنا وأفكارنا، ولهذا فإننا لا نفكر في إصلاح الأخطاء، وإزالة نقاط ضعفنا.
3- لقد عبرت الآية الثالثة عن الجزاء الدنيوي بثواب الدنيا، ولكنها عبرت عن الجزاء الأخروي بحسن ثواب الآخرة، وهذه إشارة إلى أن ثواب الآخرة يختلف عن ثواب الدنيا إختلافاً كلياً، لأن ثواب الدنيا مهما يكن فهو ممزوج بالفناء والعدم، ويقترن ببعض المنغصات والمكروهات الذي هو من طبيعة الحياة الدنيا، في حين أن ثواب الآخرة حسن كلّه، إنه خير خالص لا فناء فيه ولا عناء، ولا إنقطاع فيه ولا إنتهاء، ولا كدورات فيه ولا منغصات، ولا متاعب ولا مزعجات.
﴿فَآتَاهُمُ اللّهُ﴾ بما قالوا ﴿ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ النصر والغنيمة وحسن الذكر ﴿وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ﴾ الجنة والرضوان ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ خص ثواب الآخرة بالحسن إيذانا بأنه المعتد به عنده.