لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير انفجار العيون في الصّحراء: تذكير آخر بنعمة اُخرى من نعم الله على بني إسرائيل: وهذا التذكير تشير إليه كلمة «إذ» المقصود منها ﴿وَاذكُرُوا إِذ﴾ ، وهذه النعمة أغدقها الله عليهم، حين كان بنو إسرائيل في أمسّ الحاجة إلى الماء وهم في وسط صحراء قاحلة، فطلب موسى (عليه السلام) من الله عزّ وجلّ الماء: ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسى لِقَوْمِهِ﴾، فتقبل الله طلبه، وأمر نبيّه أن يضرب الحجر بعصاه: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الحَجَرَ فَانْفَجَرتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً﴾ بعدد قبائل بني إسرائيل. وكل عين جرت نحو قبيلة بحيث أن كل قبيلة كانت تعرف العين التي تخصّها ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاس مَشْرَبَهُمْ﴾. كثرت الأقوال في طبيعة الحجر الذي انفجرت منه العيون، وكيفية ضربه بالعصا، والقرآن لا يزيد على ذكر ما سبق. قال بعض المفسرين: إن هذا الحجر كان في ثنايا الجبال المطلة على الصحراء وتدل جملة «انبجست» الواردة في الآية 160 من سورة الاعراف على يأن المياه جرت قليلة أو، ثم كثرت حتى ارتوى منها كل قبائل بني إسرائيل مع مواشيهم ودوابهم. ظاهرة انفجار المياه من الصخور طبيعية، لكن الحادثة هنا مقرونة بالإِعجاز كما هو واضح. ثمة أقوال تذكر أن ذلك الحجر كان من نوع خاص حمله بنو إسرائيل معهم، ومتى احتاجوا إلى الماء ضربه موسى بعصاه فيجري من الماء. وليس في القرآن ما يثبت ذلك، وإن أشارت إليه بعض الروايات. في الفصل السابع عشر من «سفر الخروج» تذكر التوراة: فقال الرب لموسى سر قدام الشعب وخذ معك من شيوخ إسرائيل وعصاك التي ضربت بها النهر خذها في يدك واذهب - ها أنا أقف أمامك هناك على الصخرة في حوريب فتضرب الصخر فيخرج منها ماء ليشرب الشعب ففعل موسى هكذا أمام عيون شيوخ إسرائيل». لقد مَنّ الله على بني إسرائيل بإنزال المنّ والسلوى، وفي هذه المرّة يمنّ عليهم بالماء الذي يعزّ في تلك الصحراء القاحلة، ثم يقول سبحانه لهم: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلاَ تَعْثَوا فِي الاَْرْضِ مُفْسِدِينَ﴾. وفي هذه العبارة حث لهم على ترك العناد وإيذاء الأنبياء، وأن يكون هذا أقل شكرهم لله على هذه النعم. بحوث 1 - الفرق بين العثّي والإِفساد: نهى الله سبحانه بني إسرائيل عن الفساد بفعل (لاَ تَعْثَوا﴾، من العثّي وهو شدة الفساد، وتشبه في معناها «العيث»، إلاّ أنّ العيث أكثر ما يقال في الفساد الذي يدرك حساً، والعثيّ فيما يدرك حُكماً. وبهذا يكون معنى (لاَ تَعْثَوا﴾ هو معنى «المفسدين» ولكنه مع تأكيد أشد. وقد تشير عبارة النهي بأجمعها إلى حقيقة بدء الفساد من نقطة صغيرة، واتساعها واشتدادها بعد ذلك. أي تبدأ بالفساد وتنتهي بالعثيّ الأرض، وهو شدة الفساد واتساعه. 2 - المعاجز في حياة بني إسرائيل: قد تثير مسألة انفجار الماء من الحجر وما شابهها من المعاجز في حياة الأنبياء تساؤلات في ذهن أولئك الذين لم يستوعبوا منطق الإِعجاز. ولا نريد هنا أن نتعرض إلى مسألة الإِعجاز، لأنها تحتاج إلى بحث مستقل. ونكتفي يبالقول: إن المعجزة ليست أمراً محا، وليست استثناءً في قانون العليّة. بل إنها خرق لما ألفناه واعتدنا عليه، أو بعبارة اُخرى، خرق لما ألفناه في حياتنا اليوميّة من ارتباط بين العلة والمعلول. وطبيعي أن تغيير مسير العلل والمعلولات ليس بعسير على الله سبحانه، ولو خلق الله هذه العلل والمعلولات منذ البدء بشكل آخر غير ما هي عليه اليوم، لكان هذا الذي نألفه اليوم خارقاً للعادة. باختصار، خالق عالم الوجود ونظام العليّة حاكم على ما خلق لا محكوم له. وفي حياتنا اليومية صور كثيرة للإِستثناءات في النظام القائم للعلل والمعلولات. ومسألة الإِعجاز لا تشكل أية مشكلة عقلية أو علمية. 3 - الفرق بين الإِنفجار والإِنبجاس: في الآية المذكورة ورد الفعل «انفجر» ليعبّر عن تدفق الماء من الحجر، بينما ورد الفعل «انبجس» في الآية 160 من سورة الأعراف ليشير إلى نفس الحقيقة مع فارق هو أن الأول يفصح عن شدة تدفّق الماء، والثاني عن سيلانه بشكل هادىء. لعل آية سورة الأعراف تتحدث عن المرحلة الاُولى من ظهور الماء، وجريانه بشكل هادىء لا يثير فزع القوم، ولا يمنعهم من السيطرة عليه، بينما تشير الآية التي نحن في صددها إلى المرحلة النهائية حيث اشتد جريان الماء. والراغب في مفرداته يفسر الإِنبجاس والإِنفجار بشكل يتناسب مع ما أشرنا إليه إذ يقول: بجس الماء وانبجس: انفجر، لكن الإِنبجاس أكثر ما يقال فيما يخرج من شيء ضيق. والإِنفجار يستعمل فيه وفيما يخرج من شيء واسع., ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ لما عطشوا في التيه ﴿فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ﴾ التي دفعها إليه شعيب من آس الجنة أهبط مع آدم طولها عشرة أذرع على طول موسى ولها شعبتان تتقدان في الظلمة ﴿الْحَجَرَ﴾ المعهود روي أنه حجر طوري مربع ينبع من كل وجهه ثلاثة أعين لكل سبط عين يسيل في جدول وكانوا ستمائة ألف سعتهم اثنا عشر ميلا فضربه بها ﴿فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ﴾ كل قبيلة ﴿مَّشْرَبَهُمْ﴾ ولا يزاحم الآخرين في مشربهم ﴿كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ﴾ من المن والسلوى والماء ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ﴾ تعتدوا ﴿فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ وقيد به لأنه منه ما ليس بفساد كمقابلة المعتدي من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه.