سبب النزول
جاء في تفسير مجمع البيان - وتفاسير أُخرى - أنّ المسلمين وأهل الكتاب كانوا يتفاخرون بعضهم على بعض، فكان أهل الكتاب يتباهون بكون نبيّهم قد بعث قبل نبيّ الإِسلام وإِن كتابهم أسبق من كتاب المسلمين، بينما كان المسلمون يفتخرون على أهل الكتاب بأنّ نبيّهم هو خاتم الأنبياء وأن كتابه هو آخر الكتب السماوية وأكملها.
وفي رواية أُخرى، نقل أنّ اليهود كانوا يدعون أنّهم هم الشعب المختار، وأنّ نار جهنم لا تمسّهم إِلاّ لأيّام معدودات، كما ورد في سورة البقرة - الآية (80) (وقالوا لن تمسّنا النّار إِلاّ أيّاماً معدودة...) وأن المسلمين كانوا يقولون، ردّاً على كلام اليهود هذا: بأنّهم خير الأُمم لأنّ الله قال في شأنهم: (كنتم خير أُمّة أخرجت للناس...)(1) ولذلك نزلت الآية الأخيرة هذه ودحضت كل تلك الدعاوى وحددت قيمة كل شخص بما يقوم به من أعمال.
التّفسير
امتيازات حقيقية وأُخرى زائفة:
لقد بيّنت هذه الآية واحداً من أهم أعمدة أو أركان الإِسلام، هو أنّ القيمة الوجودية لأي إنسان وما يناله من ثواب أو عقاب، لا تمت بصلة إِلى دعاوى وأُمنيات هذا الإِنسان مطلقاً، بل أن تلك القيمة ترتبط بشكل وثيق بعمل الإِنسان وإِيمانه وأنّ هذا مبدأ ثابت، وسنّة غير قابلة للتغيير، وقانون تتساوى الأُمم جميعها أمامه، ولذلك تقول الآية في بدايتها: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب...)وتستطرد فتقول: (من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً).
﴿لَّيْسَ﴾ ما وعد الله من الثواب ينال ﴿بِأَمَانِيِّكُمْ﴾ أيها المسلمون ﴿وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ بل بالعمل الصالح أو ليس الإيمان بالتمني ولكن ما قر في القلب وصدقه العمل قيل: تفاخر المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب نبينا وكتابنا قبل نبيكم وكتابكم ونحن أولى بالله منكم وقال المسلمون نحن أولى منكم نبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على الكتب المتقدمة فنزلت، وقيل: الخطاب للمشركين أي ليس الأمر بأمانيكم أن لا جنة ولا نار ولا أماني أهل الكتاب أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ﴿مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ آجلا وعاجلا بالآلام والمصائب ما لم يتب أو يعفو الله عنه ﴿وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا﴾ يحميه ﴿وَلاَ نَصِيرًا﴾ ينجيه من العذاب.