وكذلك الذين يعملون الخير، ويتمتعون بالإِيمان، سواء أكانوا من الرجال أو النساء - فإِنّهم يدخلون الجنّة ولا يصيبهم أقل ظلم أبداً، حيث تقول الآية: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فاُولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيراً)(2).
وبهذه الصورة يعمد القرآن إِلى نبذ كل العصبيات بكل بساطة، معتبراً الإِعتبارات والإِرتباطات المصطنعة الخيالية والإِجتماعية والعرقية وأمثالها خاوية من كل قيمة إِذا قيست برسالة دينية، ويعتبر الإِيمان بمباديء الرسالة والعمل بأحكامها هو الأساس.
وفي تفسير الآية الأُولى من الآيتين الأخيرتين حديث نقلته مصادر الشيعة والسنّة، مفاده أنّ المسلمين حين نزلت هذه الآية استولى عليهم الرعب وأخذوا يبكون خوفاً، لمعرفتهم بأنّ الإِنسان معرض للخطأ ويحتمل كثيراً صدور ذنوب منه، فلو فرض عدم وجود عفو أو غفران وأن يؤاخذ كل إِنسان بجريرته، فإِنّ الأمر سيكون في غاية الصعوبة، لذلك لجؤوا إِلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكروا له أن هذه الآية قد أفقدتهم كل أمل، فأقسم النّبي لهم بالله أنّه ما جاءت به الآية هو الصحيح، ولكنه بشّرهم بأنّها ستكون خير محفز لهم للتقرب إِلى الله والقيام بالأعمال الصالحة، وإِنّ ما سيصيبهم من محن ومصائب وآلام حتى لو كانت من وخز شوكة سيكون كفارة لذنوبهم(3).
سؤال:
من الممكن أن يستدل البعض من الجملة القرآنية التالية: (ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً) على أن قضية الشفاعة ونظائرها قد اُلغيت بهذه الآية يبصورة تامّة، فيعتبرونها دلي لإِلغاء الشفاعة بصورة مطلقة.
الجواب:
لقد أشرنا سابقاً إِلى أن الشفاعة لا تعني أنّ الشفعاء من أمثال الأنبياء والأئمة والصالحين لهم جهاز أو تنظيم مستقل يقابل قدرة الله، بل الصحيح هو أنّ الشفعاء لا يشفعون لأحد إِلاّ بإِذن الله، وعلى هذا الأساس فإِنّ مثل هذه الشفاعة ستعود في النهاية إِلى الله وتعتبر فرعاً من ولاية ونصرة وعون الله.
﴿وَمَن يَعْمَلْ﴾ شيئا ﴿مِنَ الصَّالِحَاتَ﴾ أو بعضها وهو ما في وسعه وكلف به ﴿مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ حال ﴿فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ بالياء للمعلوم والمجهول ﴿وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ قدر نقرة النواة.