التّفسير
عود على حقوق المرأة:
تجيب الآية الأخيرة هذه على أسئلة وردت حول النساء من قبل المسلمين (وبالأخص حول اليتامى منهنّ) فتخاطب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتبيّن له أنّ الله هو الذي يفتي في الأسئلة التي وجهت إِليك يا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) حول الأحكام الخاصّة بحقوق النساء، فتقول: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم...).
وتضيف الآية إِنّ ما ورد في القرآن الكريم حول الفتيات اليتامى اللواتي كنتم تتصرفون في أموالهنّ، ولم تكونوا لتتزوجوا بهنّ، ولم تدفعوا أموالهنّ إِليهنّ لكي يتزوجن من آخرين، فإِنّه يجيب على قسم آخر من اسئلتكم ويبيّن لكم قبح ما كنتم تعملون من ظلم بحق هؤلاء النسوة، (وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ وترغبون أن تنكحوهنّ...)(1).
ثمّ توصي الآية الكريمة بالأولاد الذكور الصغار الذين كانوا يحرمون من الإِرث وفق التقاليد الجاهلية، فتؤكد ضرورة رعاية حقوقهم، حيث تقول: (والمستضعفين من الولدان).
كما تعود الآية فتكرر التأكيد على حقوق اليتامى، فتذكر أن الله يوصيكم في أن تراعوا العدالة في تعاملكم مع اليتامى: (وأن تقوموا لليتامى بالقسط...).
وفي الختام تجلب الآية الإِنتباه إِلى أن أي عمل خير يصدر منكم وبالأخص إِذا كان في حق اليتامى والمستضعفين - فإِنّه لا يخفى على الله - وإِنّكم ستنالون أجر ذلك في النهاية، حيث تقول الآية: (وما تفعلوا من خير فإِنّ الله كان به عليماً).
هذا ويجب الإِلتفات إِلى أنّ عبارة (يستفتونك) مشتقة من المصدر "فتوى" أو "فتيا" ومعناها الإِجابة على كل سؤال معضل، ولما كانت هذه الكلمة تعود في الأصل إِلى كلمة "فتى" أي الشاب اليافع، فمن الممكن أن الفتوى كانت تستخدم للتعبير عن الإِجابة على الأسئلة المستحدثة، وبعد ذلك أصبحت تطلق بصورة شاملة على كل أنواع الأجوبة الخاصّة بالمسائل المنتخبة.
﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي﴾ ميراث ﴿النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ﴾ يبين لكم حكمه ﴿فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ أي والله يفتيكم وما في القرآن من آية المواريث تفتيكم أو ما يتلى عليكم مبتدأ خبره في الكتاب ويراد به اللوح المحفوظ ﴿فِي يَتَامَى النِّسَاء﴾ صلة يتلى إن عطف يتلى على ما قبله وإلا فبدل من فيهن والإضافة بمعنى من ﴿الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ﴾ ما فرض ﴿لَهُنَّ﴾ من الميراث ﴿وَتَرْغَبُونَ أَن﴾ في أو عن ﴿تَنكِحُوهُنَّ﴾ كان الرجل يضم اليتيمة فإن كانت جميلة تزوجها وأكل مالها وإلا عضلها ليرثها والواو للعطف أو الحال ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ﴾ الصبيان عطف على يتامى النساء وكانوا لا يورثونهم كالنساء ﴿وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾ بالعدل في حقوقهم عطف عليه أيضا أو منصوب بتقدير فعل أي ويأمركم أن تقوموا ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ﴾ في أمر هؤلاء ﴿فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾ فلا يضيعه.