لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
القانون العام للنّجاة: بعد عرض لمقاطع من تاريخ بني إسرائيل، تطرح هذه الآية الكريمة مبدأ عاماً في التقييم وفق المعايير الإلهية. وهذا المبدأ ينص على أن الإِيمان والعمل الصالح هما أساس تقييم الأفراد، وليس للتظاهر والتصنّع قيمة في ميزان الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصارى وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. هذه الآية تكررت مع اختلاف يسير في سورة المائدة، الآية 72 وفي سورة الحج الآية 17. سياق الآية في سورة المائدة يشير إلى أن اليهود والنصارى فخِروا بدنيهم، واعتبروا أنفسهم أفضل من الآخرين، وادّعوا بأن الجنّة خاصة بهم دون غيرهم. ولعل مثل هذا التفاخر صدر عن بعض المسلمين أيضاً، ولذلك نزلت هذه الآية الكريمة لتؤكد أن الإِيمان الظاهري لاقيمة له في الميزان الإلهي، سواء في ذلك المسلمون واليهود والنصارى وأتباع الأديان الاُخرى. ولتقول الآية أيضاً: إن الأجر عند الله يقوم على أساس الإِيمان الحقيقي بالله واليوم الآخر إضافة إلى العمل الصالح. وهذا الأساس هو الباعث الوحيد للسعادة الحقيقة والإِبتعاد عن كل خوف وحزن. تساؤل هام! بعض المضللين اتخذوا من الآية الكريمة التي نحن بصددها وسيلة لبثّ شبهة مفادها أن العمل بأي دين من الإديان الإِلهية له أجر عند الله، وليس من اللازم أن يعتنق اليهودي أو النصراني الإِسلام، بل يكفي أن يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحاً. الجواب: نعلم أن القرآن يفسّر بعضه بعضاً، والكتاب العزيز يقول: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاِْسْلاَمِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾. كما أن القرآن مليء بالآيات التي تدعو أهل الكتاب إلى اعتناق الدين الجديد، وتلك الشبهة تتعارض مع هذه الآيات. من هنا يلزمنا أن نفهم المعنى الحقيقي للآية الكريمة. ونذكر تفسيرين لها من أوضح وأنسب ما ذكره المفسرون: 1 - لو عمل اليهود والنصارى وغيرهم من أتباع الأديان السماوية بما جاء في كتبهم، لآمنوا حتماً بالنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لأن بشارات الظهور وعلائم النّبي وصفاته مذكورة في هذه الكتب السماوية، وسيأتي شرح ذلك في تفسير الآية 146 من سورة البقرة. 2 - هذه الآية تجيب على سؤال عَرَضَ لكثير من المسلمين في بداية ظهور الإِسلام، يدور حول مصير آبائهم وأجدادهم الذين لم يدركوا عصر الإِسلام، تُرى، هل سيؤاخذون على عدم إسلامهم وإيمانهم؟! الآية المذكورة نزلت لتقول إن كل أُمّة عملت في عصرها بما جاء به نبيّها من تعاليم السماء وعملت صالحاً; فإنها ناجية، ولا خوف على أفراد تلك الاُمّة ولا هم يحزنون. فاليهود المؤمنون العاملون ناجون قبل ظهور المسيح، والمسيحيون المؤمنون العاملون ناجون قبل ظهور نبي الإِسلام. وهذا المعنى مستفاد من سبب نزول هذه الآية كما سيأتي. بحوث 1 - قصّة سلمان الفارسي(رحمه الله): يإكما للبحث، لا بأس أن نذكر هنا سبب نزول هذه الآية كما جاء في جامع البيان للطبري: «كان سلمان من جنديسابور، وكان من أشرافهم، وكان ابن الملك صديقاً له مؤاخياً، لا يقضي واحد منهم أمراً دون صاحبه. وكانا يركبان إلى الصيد معاً. فبينما هما في الصيد، إذ بدا لهما بيت من خباء، فأتياه فإذا هما فيه برجل بين يديه مصحف، يقرأ فيه، وهو يبكي. سألاه: ما هذا؟ قال: إن كنتما تريدان أن تعلما ما فيه فانزلا، حتى أُعلّمكما. فنزلا إليه. فقال لهما: هذا كتاب من عند الله، أمر فيه بطاعته، ونهى عن معصيته، فيه ان لا تزني ولا تسرق ولا تأخذ أموال النّاس بالباطل، فقص عليهما ما فيه، وهو الإِنجيل الذي أنزله الله على عيسى. فوقع في قلوبهما، وتابعاه، فأسلما. وقال لهما: إن ذبيحة قومكما عليكما حرام. فلم يزالا معه كذلك يتعلّمان منه. ثم اتفق أن كان للملك عيد، فجعل طعاماً، ودعى إليه الأشراف، فأبى ابن الملك أن يحضر الوليمة، فدعاه أبوه فقال له: ما أمرك هذا؟ قال: إنا لا نأكل من ذبائحكم، إنكم كفار لا تحل ذبائحكم. قال له الملك: من أمرك بهذا؟ فأخبره أن الراهب أمر بذلك. فدعا الراهب فقال: ماذا يقول ابني؟ قال: صدق ابنك. قال له: لولا أن الدم فينا عظيم لقتلتك، ولكن اخرج من أرضنا. فأجّله أجلا. قال سلمان: فقمنا نبكي عليه، فقال لهما: إن كنتما صادقين فأنا في بيعة في يالموصل، مع ستين رج نعبد الله فيها، فأتونا فيها، فخرج الراهب، وبقي سلمان وابن الملك، فجعل يقول لابن الملك: إنطلق بنا، وابن الملك يقول: نعم. وجعل ابن الملك يبيع متاعه يريد الجهاز. فلما أبطأ على سلمان، خرج سلمان حتى أتاهم، فنزل على صاحبه، وهو ربّ البيعة، وكان أهل تلك البيعة من أفضل الرهبان. فكان سلمان معهم يجتهد في العبادة ويتعب نفسه. قال له الشيخ يوماً: إنك غلام حدث، تتكلف من العبادة ما لا تطيق، وأنا خائف أن تفتر وتعجز، فارفق بنفسك، وخفف عليها. قال له سلمان: أرأيت الذي تأمرني به أهو أفضل أو الذي أصنع؟ قال: بل الذي تصنع. قال: فخلّ عني، ثم إن صاحب البيعة دعاه، فقال: إني رجل أضعف عن عبادة هؤلاء، وأنا أريد أن أتحول من هذه البيعة إلى بيعة اُخرى هم أهون عبادة من هؤلاء، فإن شئت أن تقيمها هنا فأقم، وإن شئت أن تنطلق معي فانطلق. يقال له سلمان: أي البيعتين أفضل حا؟ قال: هذه. قال سلمان: فأنا أكون في هذه، وأوصى صاحبُ البيعة عالم البيعة بسلمان، فكان سلمان يتعبد معهم. ثم إن الشيخ العالم عزم أن يأتي بيت المقدس، فقال لسلمان: إن أردت أن تنطلق معي فانطلق، وإن شئت أن تقيم فأقم. فقال له سلمان: أيّهما أفضل أنطلق معك أم أقيم؟ قال: بل تنطلق معي، وانطلقا حتى أتيا بيت المقدس. فقال الشيخ لسلمان: أُخرج فاطلب العلم، فإنه يحضر هذا المسجد علماء أهل الأرض. فخرج سلمان يسمع منهم، فرجع يوماً حزيناً. فقال له الشيخ: ما لك يا سلمان؟ قال: أرى الخير كله قد ذهب به من كان قبلنا من الأنبياء وأتباعهم. فقال له الشيخ: يا سلمان لا تحزن فإنه بقي نبي ليس من نبي بأفضل منه، وهذا زمانه الذي يخرج فيه، ولا أراني أدركه، وأما أنت فشاب لعلك تدركه، وهو يخرج في أرض العرب، فإن أدركته فآمن به واتبعه، فقال له سلمان: فأخبرني عن علامته بشيء، قال: نعم، هو مختوم في ظهره بخاتم النّبوة. وهو يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة. ثم اتفق أن افترق سلمان عن الراهب لدى عودتهما من بيت المقدس، ففقده في الطريق، وبينما هو يبحث عنه إذ رآه رجلان عربيان من بني كلب، فأسراه، وأخذاه معهما إلى المدينة، قال سلمان: فأصابني من الحزن شيء لم يصبني مثله قط، فاشترته امرأة من جهينة، فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم هذا يوماً وهذا يوماً. فكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) فبينا هو يرعى يوماً إذ أتاه صاحبه الذي يعقبه فقال: أعلمت أنه قد قدم اليوم المدينة رجل يزعم أنه نبي؟! فقال له سلمان: أقم في الغنم حتى آتيك. فذهب سلمان إلى المدينة، فنظر إلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودار حوله، فلما رآه النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عرف ما يريد. فأرسل ثوبه حتى خرج خاتمه. فلما رآه أتاه وكلمه. ثم انطلق فاشترى طعاماً وجاء به، فقال له النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما هذا؟ قال سلمان: هذه صدقة. قال: لا حاجة لي بها فأخرجها فليأكل المسلمون. ثُمّ انطلق فاشترى طعاماً، فأتى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ما هذا؟ قال: هدية. قال: فاقعد، فقعد فأكلا جميعاً منها. فبينا هو يحدثه، إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم، فقال: كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك، ويشهدون أنك ستبعث نبيّاً. فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم، قال له النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا سلمان هم من أهل النار. فاشتدّ ذلك على سلمان، فأنزل الله سبحانه هذه الآية. 2 - من هم الصّابئون؟ يقول الرّاغب الأصفهاني: الصّابئون قوم كانوا على دين نوح وذكرهم إلى جانب المؤمنين واليهود والنصارى يدل على أنهم كانوا يدينون بدين سماوي ويؤمنون بالله واليوم الآخر. واعتبر البعض أنهم مشركون، وقيل عنهم أنهم مجوس، وليسوا كذلك، لأن القرآن ذكرهم إلى جانب المشركين والمجوس إذا قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابئينَ وَالنَّصَارى وَالَْمجُوسَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا...﴾. واختلف المفسّرون وأصحاب الملل والنحل في تشخيص هوية الصابئين، ووجه تسميتهم. «الشّهرستاني» في «الملل والنحل» يقول: الصابئة من صبأ أي انحرف عن طريق الأنبياء، وهؤلاء قوم انحرفوا عن طريق الحق ودين الأنبياء فهم «صابئة». ويقول «الفيومي» في «المصباح المنير»: إن «صبأ» تعني الخروج من الدين إلى دين آخر. وفي معجم (دهخدا) الفارسي: الصابئون جمع صابىء وهي كلمة مشتقة من (ص - ب - ع) العبرية التي تعني الغوص في الماء (أو التعميد)، وسقطت العين في التعريب، وتسمى هذه الطائفة التي تسكن خوزستان باسم (المغتسلة) لذلك. دائرة المعارف الفرنسية، في المجلد الرابع، ص 22، ذكرت أن هذه الكلمة عربية وتعني الإِنغماس في الماء أو التعميد. (جسينوس) الألماني يذهب إلى أن هذه الكلمة عبرية، ولا يستبعد أن تكون مشتقة من كلمة تعني «النّجم». صاحب كتاب «كشاف اصطلاح الفنون» يقول: «الصابئون فرقة تعبد الملائكة ويقرأون (الزبور) ويتجهون نحو القبلة». يوجاء في كتاب «التنبيه والإِشراف» نق عن «الأمثال والحكم» ص 1666: «قبل أن يطرح (زراتشت) دعوة المجوسية على (جشتاسب)، وكان أهل هذه الديار على مذهب (الحنفاء)، وهم الصابئون، وهو دين جاء به (بوذاسب) على عهد (طهمورس)». سبب اختلاف الآراء حول هذه الطائفة يعود إلى قلة أفرادها وإصرارهم على إخفاء تعاليمهم، وامتناعهم عن الدعوة إلى دينهم، واعتقادهم أن دينهم خاص بهم لا عام لكل النّاس، وأن نبيهم مبعوث إليهم لا لغيرهم. ولذلك أُحيطوا بكثير من الغموض واكتنفتهم الأسرار، وهم يتجهون نحو الإِنقراض. الإِلتزام بتعاليمهم على غاية الصعوبة، ففيها أنواع الأغسال والتعميدات في الشتاء والصيف، ويميلون إلى الإِنزواء والإِبتعاد عن غير أبناء دينهم ويحرمون تزوّج النساء من غير الصابئين، وكثير منهم اعتنق الإِسلام نتيجة اختلاطهم بالمسلمين. 3 - معتقدات الصّابئين: يعتقد الصابئة أن أول كتاب مقدّس سماوي نزل على آدم، وبعده على نوح، ثم على سام، ثم على «رام»، ثم على إبراهيم الخليل، ثم على موسى، وأخيراً على يحيى بن زكريا. كتبهم المقدسة 1 - «كيزاربا» ويسمى أيضاً «سدره» أو «صحف» آدم، وفيه آراء حول كيفية بدء الخلق. 2 - كتاب «أدر أفشادهي» أو «سدرادهي» ويتحدث عن يحيى وتعاليمه ويعتقد الصابئة أنه موحى إلى يحيى عن طريق جبرائيل. 3 - كتاب «قلستا» وفيه تعاليم الزّواج والزّوجية، وهذا إلى جانب كتب كثيرة اُخرى يطول ذكرها. يبدو ممّا سبق أنّ هؤلاء أتباع يحيى بن زكريا، الذي يسميه المسيحيون يحيى المعمّد، أو يوحنا المعمّد. صاحب كتاب «بلوغ الإِرب» له رأي آخر بشأن الصّابئة، يقول: «هم من يعتقد في الأنواء اعتقاد المنجمين في السيارات حتى لا يتحرك ولا يسكن ولا يسافر ولا يقيم إلاّ بنوء من الأنواء ويقول مطرنا بنوء كذا... . وهؤلاء كانوا قوم إبراهيم الخليل (عليه السلام) وهو أهل دعوته وكانوا بحرّان، فهي دار الصابئة، وكانوا قسمين: صابئة حنفاء، وصابئة مشركين، والمشركون منهم يعظمون الكواكب السبعة والبروج الاثني عشر، ويصورونها في هياكلهم... ويتخذون لها أصناماً تخصها ويقربون لها القرابين. وطوائف منهم يصومون شهر رمضان ويستقبلون في صلواتهم الكعبة ويعظمون مكة ويرون الحج إليها ويحرمون الميتة والدم ولحم الخنزير ويحرمون من القرابات في النكاح ما يحرم المسلمون، وعلى هذا المذهب كان جماعة من أعيان الدولة ببغداد منهم هلال بن المحسن الصّابي صاحب الديوان الإِنشائي وصاحب الرسائل المشهورة، وكان مع المسلمين ويعبد معهم ويزكي ويحرم المحرمات، وكان النّاس يعجبون من موافقته للمسلمين وليس على دينهم، وأصل دين هؤلاء فيما زعموا أنهم يأخذون محاسن ديانات العالم ومذاهبهم ييويخرجون من قبيح ما هم عليه قو وعم، ولهذا سموا صابئة، أي خارجين، فقد خرجوا عن تقييدهم بجملة كل دين وتفصيله إلاّ مارأوه فيه من الحق». من مجموع ما سبق يتبين أن الصابئين كانوا في الأصل أتباع أحد الأنبياء وإن اختلف المحققون في تعيين نبيّهم. وتبين أيضاً أن عدد هؤلاء قليل وهم في حالة إنقراض., ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ بأفواههم وهم المنافقون ﴿وَالَّذِينَ هَادُواْ﴾ يقال هاد وتهود إذا دخل في اليهودية ﴿وَالنَّصَارَى﴾ جمع نصران كسكران ويا نصراني للمبالغة كياء أحمري سموا بذلك لنصرهم المسيح أو لكونهم معه في قرية تسمى ناصرة ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ الذين زعموا أنهم صبوا إلى دين الله وهم كاذبون وقيل هم كاذبون وقيل هم قوم بين اليهود والمجوس لا دين لهم وقيل دينهم يشبه دين النصارى يزعمون أنه دين نوح وقيل هم عبدة النجوم أو الملائكة ﴿مَنْ آمَنَ﴾ منهم ونزع عن كفره ﴿بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ أي بالمبدإ والمعاد ﴿وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ الذي يستوجبونه على الإيمان والعمل ﴿عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ من العقاب ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ على فوت الثواب.