التّفسير
لقد وردت في هذه الآية خمس صفات للمنافقين، في عبارة قصيرة، وهي: ـ
1 - إِنّ هؤلاء - لاجل تحقيق أهدافهم الدنيئة - يتوسلون بالخدعة والحيلة، حتى أنّهم يريدون على حسب ظنهم أن يخدعوا الله تعالى أيضاً، ولكنهم يقعون في نفس الوقت ومن حيث لا يشعرون في حبال خدعتهم ومكرهم، إِذ هم - لأجل اكتساب ثروات مادية تافهة - يخسرون الثروات الكبيرة الكامنة في وجودهم، تقول الآية في هذا المجال: (إنّ المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم...).
ويستفاد التّفسير المذكور أعلاه بالواو الحالية الواردة مع عبارة: (وهو خادعهم).
هناك قصّة مشهورة مفادها أن أحد الأكابر كان ينصح أهل الحرف من مواطنيه، بأن ينتبهوا لكي لا يخدعهم المسافرون الغرباء، فقال أحدهم: كيف يمكن للغرباء البسطاء الذين لا يعرفون شيئاً عن وضع المدينة وأهلها، أن يخدعوا أهل الحرف فيها نحن بمقدورنا خداع اُولئك الغرباء، فأجابهم بأن قصده من الإِنخداع بالغرباء هو هذا المعنى، أي أن تنالوا من هؤلاء ثروة تافهة بالخداع، وتفقدوا بذلك ثروة الإِيمان العظيمة!
2 - إِنّ المنافقين بعيدون عن رحمة الله، ولذلك فهم لا يتلذذون بعبادة الله والتقرب إليه، ويدل على ذلك أنّهم حين يريدون أداء الصّلاة يقومون إِليها وهم كسالى خائرو القوى، تقول الآية في هذا الأمر: (وإِذا قاموا إِلى الصّلاة قاموا كسالى...).
3 - ولما كان المنافقون لا يؤمنون باللّه وبوعوده، فهم حين يقومون بأداء عبادة معينة، إِنّما يفعلون ذلك رياءاً ونفاقاً وليس من أجل مرضاة الله، تقول الآية: (يراؤن الناس...).
4 - ولو نطقت ألسن هؤلاء المنافقين بشيء من ذكر الله، فإِنّ هذا الذكر لا يتجاوز حدود الألسن، لأنّه ليس من قلوبهم، ولا هو نابع من وعيهم ويقظتهم، وحتى لو حصل هذا الأمر فهو نادرٌ وقليل، تقول الآية: (ولا يذكرون الله إِلاّ يقلي).
﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ فسر في البقرة ﴿وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى﴾ متثاقلين ﴿يُرَآؤُونَ النَّاسَ﴾ في صلاتهم ليحسبوهم مؤمنين ﴿وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ﴾ بالتسبيح ونحوه أو لا يصلون ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ إذ لا يفعلونه إلا بحضرة من يراءونه أو لا يذكرون في الصلاة غير التكبير وما يجهر به.