إِنّ المنافقين يعيشون في حيرة دائمة ودون أي هدف أو خطّة لطريقة الحياة معينة، ولهذا فهم يعيشون حالة من التردد والتذبذب، فلا هم مع المؤمنين حقّاً ولا هم يقفون إِلى جانب الكفار ظاهراً، وفي هذا تقول الآية الكريمة: (مذبذبين بين ذلك لا إِلى هؤلاء ولا إِلى هؤلاء...).
ويحسن هنا الإِلتفات إِلى أنّ كلمة "مذبذب" اسم مفعول من الأصل "ذبذب" وهي تعني في الأصل صوتاً خاصاً يسمع لدى تحريك شيء معلق إِثر تصادمه بأمواج الهواء، وقد اُطلقت كلمة "مذبذب" على الإِنسان الحائر الذي يفتقر إِلى الهدف أو إِلى أي خطّة وطريقة للحياة.
هذا واحد من أدق التعابير التي أطلقها القرآن الكريم على المنافقين، كما هي إِشارة إِلى إمكانية معرفة المنافقين عن طريق هذا التذبذب الظاهر في حركتهم ونطقهم، كما يمكن أن يفهم من هذا التعبير أن المنافقين هم كشيء معلق يتحرك بدون أي هدف وليس لحركته أي اتجاه معين، بل يحركه الهواء من أي صوب كان اتجاهه ويأخذه معه إِلى الجهة التي يتحرك فيها.
وتيبن الآية في الختام مصير هؤلاء المنافقين، وتوضح أنّهم أُناس قد سلب الله عنهم حمايته نتيجة لأعمالهم وتركهم يتيهون في الطريق المنحرف الذي سلكوه بأنفسهم، فهم لن يهتدوا أبداً إِلى طريق النجاة، لأنّ الله كتب عليهم التيه والضلالة عقاباً لهم على أعمالهم.
تقول الآية الكريمة في ذلك: (يومن يضلل الله فلن تجد له سبي)، (وقد شرحنا معنى الإِضلال، وبيّنا كيف أنّه لا يتنافي مع حرية الإِرادة والإِنتخاب، وذلك في الجزء الأوّل من هذا التّفسير في هامش الآية (26) من سورة البقرة).
﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ مترددين بين الإيمان والكفر من الذبذبة وهو جعل الشيء مضطربا وأصله بمعنى الطرد ﴿لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء﴾ لا صائرين إلى المؤمنين بالكلية ولا إلى الكافرين ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ﴾ يمنعه اللطف بسوء اختياره ﴿فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾ إلى الحق.