وقد تطرقت الآية الأخيرة إِلى موقف المؤمنين الذين آمنوا بالله وبجميع أنبيائه ورسله ولم يفرقوا بين أي من الأنبياء والرسل واخلصوا للحق، وكافحوا كل أنواع العصبيات الباطلة، وبيّنت أنّ الله سيوفّي هؤلاء المؤمنين أجرهم وثوابهم في القريب العاجل، فتقول الآية: (والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم اُولئك سوف يؤتيهم أُجورهم...).
وبديهي أنّ الإِيمان بجميع الأنبياء والرسل لا يتنافى ومسألة تفضيل بعضهم على البعض الآخر، لأنّ مسألة التفاضل هذه ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأهمية وعظم المسؤولية التي تحمّلها كل منهم، وطبيعي أنّ المسؤوليات المناطة بالأنبياء(عليهم السلام)تتفاوت من حيث الأهمية والخطورة بالنسبة لكل منهم، وقد ثبت هذا الأمر بالدليل القطعي والمهم هنا أن لا يحصل تمايز أو تفريق في الإِيمان بالأنبياء والإِقرار بنبوّتهم.
وقد أكدت الآية في الختام أنّ الله سيغفر للمؤمنين الذين ارتكبوا اخطاء بالإِنجرار وراء العصبيات وممارسة التفرقة بين الأنبياء إِن أخلص هؤلاء المؤمنون في إِيمانهم وعادوا إِلى الله، أي تابوا إِليه من اخطائهم السابقة، حيث تقول الآية: (وكان الله غفوراً رحيماً).
ويجب الإِنتباه هنا إِلى أنّ الآيات الأخيرة ذكرت الذين يعمدون إِلى التفرقة بين الأنبياء بأنّهم كفار حقيقيون، بينما لم تذكر الذين يؤمنون بجميع الأنبياء بأنّهم مؤمنون حقاً وحقيقة، بل وصفتهم بالمؤمنين فقط، وقد يكون هذا التفاوت في الوصف هو لبيان أنّ المؤمنين حقّاً هم اُولئك الذين استقرّ الإِيمان في قلوبهم وظهرت آثاره على أعمالهم، وكما يقول الخبر المأثور بأنّ "الإِيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل".
ويدلّ على هذا الأمر آيات وردت في بداية سورة الأنفال التي ذكرت المؤمنين بأوصاف عديدة: أوّلها الإِيمان بالله، ويلي ذلك إقامة الصّلاة وإِيتاء الزكاة والتوكل على الله والإِعتماد عليه، ثمّ يأتي التأكيد بعد سرد هذه الصفات في قول الله تعالى في الآية المذكورة: (اُولئك هم المؤمنون حقّاً...).
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ﴾ بالنون والياء ﴿أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا﴾ لزلاتهم ﴿رَّحِيمًا﴾ بهم.