لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير هنالك احتمالان في تفسير هذه الآية، وكل واحد منهما جدير بالملاحظة من جوانب متعددة: 1 - إِنّ الآية تؤكّد أنّ أي إِنسان يمكن أن لا يعتبر من أهل الكتاب ما لم يؤمن قبل موته بالمسيح(عليه السلام) حيث تقول: (وإِن من أهل الكتاب إِلاّ ليؤمنّن به قبل موته...) وأن هذا الأمر يتمّ حين يشرف الإِنسان على الموت وتضعف صلته بهذه الدنيا، وتقوى هذه الصلة بعالم ما بعد الموت، وترفع عن عينيه الحجب فيرى بعد ذلك الكثير من الحقائق ويدركها، وفي هذه اللحظة يرى المسيح بعين بصيرته ويؤمن به، فالذين أنكروا نبوته يؤمنون به، والذين وصفوه بالأُلوهية يدركون في تلك اللحظة خطأهم وإنحرافهم. وبديهي أنّ مثل هذا الإِيمان لا ينفع صاحبه، كما أنّ فرعون والأقوام الأُخرى وأقوام استولى عليهم العذاب، فقالوا: آمنا فلم ينفعهم إِيمانهم أبداً، فالأجدر بالإِنسان أن يؤمن قبل أن تدركه لحظة العذاب عند الموت، حين لا ينفع الإِيمان صاحبه. وتجدر الإِشارة - هنا - إِلى أنّ الضمير في عبارة "قبل موته" يعود لأهل الكتاب بناء على التّفسير الذي ذكرناه. 2 - قد يكون المقصود في الآية هو أنّ جميع أهل الكتاب يؤمنون بعيسى المسيح قبل موته، فاليهود يؤمنون بنبوته والمسيحيون يتخلون عن الإِعتقاد بربوبية المسيح(عليه السلام)، ويحدث هذا - طبقاً للروايات الإِسلامية - حين ينزل المسيح(عليه السلام) من السماء لدى ظهور المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه، وواضح أن عيسى المسيح سيعلن في مثل هذا اليوم انضواءه تحت راية الإِسلام، لأن الشريعة السماوية التي جاء بها إِنّما نزلت قبل الإِسلام، ولذلك فهي منسوخة به. وبناء على هذا التّفسير فإِن الضمير في عبارة "قبل موته" يعود إِلى عيسى المسيح(عليه السلام). وقد نقل عن النّبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: "كيف بكم إِذا نزل فيكم ابن مريم وإِمامكم منكم"(1) وطبيعي أنّ هذا التّفسير يشمل اليهود والمسيحيين الموجودين في زمن ظهور المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ونزول عيسى المسيح(عليه السلام)من السماء. يوجاء في تفسير "علي بن إِبراهيم" نق عن "شهر بن حوشب" إِنّ الحجاج ذكر يوماً أن هناك آية في القرآن قد أتعبته كثيراً وهو حائر في معناها، فسأله "شهر" عن الآية، فقال الحجاج: إِنّها آية (وإِن من أهل الكتاب...) وذكر أنّه قتل يهودا ومسيحيين ولم يشاهد فيهم أثراً لمثل هذا الإِيمان. فأجابه "شهر" بأنّ تفسيره للآية لم يكن تفسيراً صحيحاً، فاستغرب الحجاج وسأل عن التّفسير الصحيح للآية. فأجاب "شهر" بأنّ تفسير الآية هو أن المسيح ينزل من السماء قبل نهاية العالم، فلا يبقى يهودي أو غير يهودي إِلاّ ويؤمن بالمسيح قبل موته، وأن المسيح سيقيم الصّلاة خلف المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف. فلما سمع الحجاج هذا الكلام قال لـ "شهر" ويلك من أين جئت بهذا التّفسير؟ فأجابه "شهر" بأنّه قد سمعه من محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام). وعند ذلك قال الحجاج: "والله جئت بها من عين صافية"(2). وتقول الآية في الختام: (ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً) أي شهادة المسيح(عليه السلام) على قومه بأنّه قد بلّغهم رسالة الله ولم يدعهم لإِتّخاذه إِلهاً من دون الله، بل دعاهم إِلى الإِقرار بربوبية الله الواحد القهار. سؤال: وقد يعترض البعض بأنّ المسيح(عليه السلام) - كما جاء في الآية (117) من سورة المائدة - إِنّما يقصر شهادته على الزمن الذي كان هو موجوداً فيه بين قومه ويتنصل عن الشهادة بالنسبة للأزمنة التي جاءت بعده، وذلك بدلالة الآية التي جاءت على لسانه وهي تقول: (وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلمّا توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد) لكن الآية التي هي موضوع بحثنا الآن تدل على أنّ المسيح(عليه السلام) يشهد على الجميع يوم القيامة، سواء اُولئك الذين كانوا في عصره وزمانه أو الذين لم يكونوا في ذلك الزمان. الجواب: والجواب على هذا الإِعتراض هو أنّنا لو أمعنا النظر في مضمون الآيتين المذكورتين، لرأينا أنّهما تدلان على أنّ الآية الأخيرة التي هي موضوع البحث - تتحدث عن الشهادة حول تبليغ الرسالة ونفي الألوهية عن المسيح(عليه السلام) بينما الآية (117) من سورة المائدة تشهد على أعمال اُولئك القوم. فالآية الأخيرة تذكر أنّ عيسى المسيح (صلى الله عليه وآله وسلم) سيشهد على جميع الذين نسبوا له الأُلوهية، سواء من كانوا في زمانه أو من جاءوا بعد ذلك الزمان، وأن المسيح (عليه السلام) يؤكّد أنّه لم يدع هؤلاء القوم إِلى مثل هذا الأمر أبداً، بينما الآية (117) من سورة المائدة تذكر على لسان المسيح(عليه السلام) أنّه علاوة على الدعوة لرسالته بالأُسلوب الصحيح، فهو قد حال طيلة فترة بقائه بين قومه - دون إنحرافهم، إِلاّ أنّهم إنحرفوا بعده ونسبوا له الألوهية في زمن لم يكن هو موجوداً بينهم، ليشهد على أعمالهم وليحول دون إنحرافهم. ﴿وَإِن﴾ وما ﴿مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ أحد ﴿إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ﴾ بعيسى حين ينزل إلى الدنيا ﴿قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ موت عيسى أو قبل موت الكتابي حين يعاين ولا ينفعه إيمانه وروي: ليؤمنن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل موت الكتابي ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ بكفر اليهود وغلو النصارى فيه.