وقد أشارت الآية الثّالثة من الآيات الأخيرة إِلى حقيقة مهمّة اعتمدها القرآن الكريم مراراً في آيات متعددة، وهي أنّ ذمّ اليهود وانتقادهم في القرآن لا يقومان على أساس عنصري أو طائفي على الإطلاق، لأنّ الإِسلام لم يذم ابناء أي طائفة أو عنصر لإنتمائهم الطائفي أو العرقي، بل وجه الذم والإِنتقاد للمنحرفين والضالمين منهم فقط، لذلك استثنت هذه الآية المؤمنين الأتقياء من اليهود ومدحتهم وبشرتهم بنيل أجر عظيم، حيث تقول الآية الكريمة: (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إِليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر اُولئك سنؤتيهم أجراً عظيماً)(4).
وقد آمن جمع من كبار الطائفة اليهودية بالإِسلام حين بعث النّبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وحين شاهدوا على يديه الكريمتين دلائل أحقّية الإِسلام، ودافع هؤلاء بأرواحهم وأموالهم عن الإِسلام، وكانوا موضع احترام وتقدير النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر المسلمين.
﴿لًّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ الثابتون في علم التوراة ﴿مِنْهُمْ﴾ كابن سلام وأصحابه ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ من المهاجرين والأنصار ﴿يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ﴾ نصب على المدح أو عطف على ما نزل إليك ويراد بهم الأنبياء والأئمة ﴿وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ عطف على الراسخون أو مبتدأ والخبر أولئك ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ بالمبدإ والمعاد ﴿أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ﴾ بالنون والياء ﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾ على إيمانهم وعملهم.