التّفسير
لقد أوضحت الآيات السابقة نهاية وعاقبة الناس الذين انعدم لديهم عنصر الإِيمان، أمّا الآية الأخيرة فهي تدعو إِلى الإِيمان وتبيّن نتيجة هذا الإِيمان، وتستخدم في ترغيب الناس إِلى هذا الهدف السامي عبارات واصطلاحات تثير عند الأفراد الرغبة والإِندفاع نحو الإِيمان.
وهذه الآية تشير في البداية إِلى أنّ النّبي المرسل هو ذلك الذي كان ينتظر الناس ظهوره، والذي أشارت إِليه الكتب السماوية السابقة، وهو يحمل إِليهم شريعة الحق والعدالة فتقول الآية في هذا المجال: (يا أيّها الناس قد جاءكم الرّسول بالحق)(1).
ثمّ تردف الآية بأن هذا النّبي قد جاء إِلى الناس من الله الذي تعهد تربية الخلق أجمعين، وذلك من خلال العبارة القرآنية الواردة في هذه الآية، وهي عبارة: (من ربّكم).
وبعد ذلك تؤكّد الآية - على أنّ إِيمان الأفراد إِنّما تعود فائدته ويعود نفعه عليهم أنفسهم، أي أن الإِنسان إِذا آمن إنما يخدم نفسه بهذا الإِيمان قبل أن يخدم به غيره تقول الآية: (فآمنوا خير لكم).
يكما تؤكّد الآية في النهاية على أن من يتخذ الكفر سبي لنفسه فلن يضرّ الله بعمله هذا أبداً، لأن الله يملك كل ما في السماوات وما في الأرض، فهو بهذا لا يحتاج إِلى أي شيء من الآخرين، تقول الآية في هذا الصدد: (وإن تكفروا فإنّ لله ما في السموات والأرض).
وتبيّن الآية في النهاية أنّ أحكام الله وأوامره كلّها لمصلحة البشر، لأنّها نابعة من حكمة الله وعلمه وهي قائمة على أساس تحقيق مصالح الناس، ومنافعهم الخيّرة، فتقول الآية: (وكان الله عليماً حكيماً).
ومن المنطلق نفسه فإِنّ ما أرسله الله من شرائع لتنظيم الحياة الإِجتماعية للبشر بواسطة الأنبياء(عليهم السلام)، لم يكن - مطلقاً - لحاجة الله إِلى ذلك، بل إنّه نابع من علمه وحكمته، فهل يحق للبشر بعد هذا البيان أن يتركوا طريق الإِيمان ويتبعوا سبيل الكفر؟
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا﴾ يكن الإيمان خيرا ﴿لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ ملكا وخلقا فلا يضره كفركم ﴿وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا﴾ بخلقه ﴿حَكِيمًا﴾ في تدبيره لهم.