سبب النزول
روى جمع من المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت بشأن طائفة من مسيحيي نجران، حين زاروا النّبي محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) واستفسروا منه عن سبب اعتراضه على نبيّهم المسيح(عليه السلام)، فسألهم النّبي(عليه السلام) عن أي إعتراض هم يتحدثون؟ فقالوا للنبي(عليه السلام): "إِنّك تقول بأنّ المسيح هو عبد الله ورسوله... " فنزلت الآيتان جواباً على قولهم هذا.
التّفسير
المسيح هو عبدالله:
على الرغم من أنّ هاتين الآيتين لهما سبب نزول خاص بهما، إِلاّ أنّهما جاءتا في سياق الآيات السابقة التي تحدثت في نفي الأُلوهية عن المسيح(عليه السلام)وعلاقتهما بالآيات السابقة في دحض قضية التثليث واضحة وجلية.
في البداية تشير الآية الأُولى إِلى دليل آخر لدحض دعوى أُلوهية المسيح، فتقول مخاطبة المسيحيين: كيف تعتقدون بأُلوهية عيسى(عليه السلام) في حين أنّ المسيح لم يستنكف عن عبادة الله والخضوع بالعبودية له سبحانه، كما لم يستنكف الملائكة المقرّبون من هذه العبادة؟ حيث قالت الآية: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقرّبون).
وبديهي أنّ من يكون عبداً لا يمكن أن يصبح معبوداً في آن واحد، فهل يمكن أن يعبد فرد نفسه؟ أو هل يكون العابد والمعبود والرّب فرداً واحداً؟
وفي هذا المجال ينقل بعض المفسّرين حادثة طريفة تحكي أن الإِمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) لكي يدين ويفند عقيدة التثليث المنحرفة قال لكبير المسيحيين في ذلك الحين - وكان يلقب بـ "الجاثليق" - بأنّ المسيح(عليه السلام) كان حسناً في كل شيء لولا وجود عيب واحد فيه، وهو قلة عبادته لله، فغضب الجاثليق وقال للإِمام الرضا(عليه السلام): ما أعظم هذا الخطأ الذي وقعت فيه، إِنّ عيسى المسيح كان من أكثر أهل زمانه عبادة، فسأله الإِمام(عليه السلام) على الفور: ومن كان يعبده المسيح؟! فها أنت قد أقررت بنفسك أنّ المسيح كان عبداً ومخلوقاً لله وأنّه كان يعبد الله ولم يكن معبوداً ولا ربّاً؟ فسكت الجاثليق ولم يحر جواباً.(1)
بعد ذلك تشير الآية إِلى أن الذين يمتنعون عن عبادة الله والخضوع له بالعبودية، يكون امتناعهم هذا ناشئاً عن التكبر والأنانية وإِنّ الله سيحضر هؤلاء الناس في يوم القيامة ويجازي كل واحد منهم بالعقاب الذي يناسبه، فتقول الآية: (ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إِليه جميعاً).
﴿لَّن يَسْتَنكِفَ﴾ لن يأنف ﴿الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ﴾ استنكف وفد نجران أن يقال عيسى عبد الله فنزلت ﴿وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ بل كفاهم فخرا أن يكونوا عبيدا ﴿وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ﴾ ﴿إِلَيهِ جَمِيعًا﴾ للمجازاة.