لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير ثمانية احكام في آية واحدة: لقد بيّنت هذه الآية عدداً من الأحكام الإِلهية الإِسلامية المهمة، وهي من الأحكام الأواخر التي نزلت على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكلها أو أغلبها تتعلق بحج بيت الله، وهي على الوجه التالي: 1 - الطلب من المؤمنين بعدم انتهاك شعائر الله، ونهيهم عن المساس بحرمة هذه الشعائر المقدسة، كما تقول الآية الكريمة: (يا أيّها الذين آمنوا لا تحلُّوا شعائر الله...) واختلف المفسّرون حول المراد بكلمة "الشعائر" الواردة هنا، وبالنظر إِلى الأجزاء الأُخرى من هذه الآية، وإِلى السنة التي نزلت فيها وهي السنة العاشرة للهجرة التي أدى فيها النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) آخر حجّة إِلى مكّة المكرمة هي حجّة الوداع، يتّضح أنّ المراد بهذه الكلمة مناسك الحج التي كلف المسلمون باحترامها كلّها، ويؤكّد هذا الرأي مجيء كلمة "الشّعائر" في القرآن الكريم مقترنة بالحديث عن مناسك الحج دائماً(1). 2 - دعت الآية إِلى احترام الأشهر الحرم وهي شهور من السنة القمرية، كما نهت عن الدخول في حرب في هذه الشهور، حيث قالت: (ولا الشهر الحرام...). 3 - حرمت الآية المساس بالقرابين المخصصة للذبح في شعائر الحج، سواء ما كان منها ذا علامة وهو المسمّى بـ "الهدي"(2) أو تلك الخالية من العاملات والتي تسمّى بـ "القلائد"(3) أي نهت عن ذبحها وأكل لحومها حتى تصل إِلى محل القربان للحج وتذبح فيه، فقالت الآية: (ولا الهدي ولا القلائد...). 4 - أوجبت الآية توفير الحرية التامّة لحجاج بيت الله الحرام أثناء موسم الحج، الذي تزول خلاله كل الفوارق القبلية والعرقية واللغوية والطبقية، ونهت عن مضايقة المتوجهين إِلى زيارة بيت الله الحرام ابتغاء لمرضاته، أو حتى الذين توجهوا إِلى هذه الزيارة وهم يحملون معهم أهدافاً أُخرى كالتجارة والكسب الحلال لا فرق فيهم بين صديق أو غريم، فما داموا كلهم مسلمين وقصدهم زيارة بيت الله، فهم يتمتعون بالحصانة كما تقول الآية الكريمة: (ولا آمين البيت الحرام ييبتغون فض من ربّهم ورضواناً...). يعتقد بعض المفسّرين والفقهاء أنّ الجملة القرآنية المذكورة أعلاه ذات معنى عام وتشمل غير المسلمين، أي المشركين أيضاً إِن هم جاءوا لزيارة بيت الله الحرام يجب أن يتعرضوا للمضايقة من قبل المسلمين. ولكن نظراً لنزول آية تحريم دخول المشركين إِلى المسجد الحرام في سورة التوبة التي نزلت في العام التاسع للهجرة، ونزول سورة المائدة في أواخر عمر النّبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أي في العام العاشر للهجرة وهي سورة لم يطرأ النسخ على أيّ من الأحكام الواردة فيها - بحسب روايات الطائفتين الشيعة والسنة - لذلك يستبعد أن يكون هذا التّفسير صحيحاً، والحق أن الحكم المذكور خاص بالمسلمين وحدهم. 5 - لقد خصصت هذه الآية حكم حرمة الصيد بوقت الإِحرام فقط، وأعلنت أنّ الخروج من حالة الإِحرام إِيذان بجواز الصيد للمسلمين - حيث تقول الآية الكريمة: (وإِذا حللتم فاصطادوا). 6 - منعت هذه الآية الكريمة المسلمين من مضايقة اُولئك النفر من المسلمين الذين كانوا قبل إِسلامهم يضايقون المسلمين الأوائل في زيارة بيت الله الحرام ويمنعونهم من أداء مناسك الحج، وكان هذا في واقعة الحديبية، فمنع المسلمون من تجديد الأحقاد ومضايقة اُولئك النفر في زمن الحج بعد أن أسلموا وقبلوا الإِسلام لهم ديناً، تقول الآية الكريمة: (ولا يجرمنّكم شئنان قوم إِن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا)(4). ومع أنّ هذا الحكم قد نزل في مجال زيارة بيت الله الحرام، لكنه - في الحقيقةـيعد حكماً عاماً، وقانوناً كلياً يدعو المسلمين إِلى نبذ "الحقد" وعدم إِحياء الأحداث السابقة في أذهانهم بهدف الإِنتقام من مسببيها. ولمّا كانت خصلة الحقد إِحدى عناصر ظهور وبروز النفاق والفرقة لدى المجتمعات يتّضح لنا - منذ ذلك - جلياً أهمية هذا الحكم الإِسلامي في التصدي والوقوف بوجه استعار نار النفاق بين المسلمين وبالأخص في زمن كان نبي الإِسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) يوشك على وداع المسلمين والرحيل عنهم. 7 - تؤكّد الآية - جرياً على سياق البحث الذي تناولته وبهدف إِكماله - على يأنّ المسلمين بد من أن يتحدوا للإِنتقام من خصومهم السابقين الذين أسلموا - وأصبحوا بحكم إِسلامهم أصدقاء - عليهم جميعاً أن يتحدوا في سبيل فعل الخيرات والتزام التقوى، وأن لا يتعاونوا - في سبيل الشر والعدوان تقول الآية: (وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإِثم والعدوان...). 8 - ولكي تعزز الآية الأحكام السابقة وتؤكّدها تدعو المسلمين في الختام إِلى اتّباع التقوى وتجنّب معصية الله، محذره من عذاب الله الشديد، فتقول: (واتقوا الله إِنّ الله شديد العقاب). التعاون في أعمال الخير: إِنّ الدعوة إِلى التعاون التي تؤكّد عليها الآية الكريمة تعتبر مبدأ إِسلامياً عاماً، تدخل في إِطاره جميع المجالات الإِجتماعية والأخلاقية والسياسية والحقوقية وغيرها، وقد أوجبت هذه الدعوة على المسلمين التعاون في أعمال الخير، كما منعتهم ونهتهم عن التعاون في أعمال الشرّ والإِثم اللّذين يدخل إِطارهما الظلم والإِستبداد والجور بكل أصنافها. ويأتي هذا المبدأ الإِسلامي تماماً على نقيض مبدأ ساد في العصر الجاهلي، وما زال يطبق حتى في عصرنا الحاضر، وهو المبدأ القائل: "اُنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، وكان في العصر الجاهلي إِذا غزت جماعة من إِحدى القبائل جماعة من قبيلة أُخرى، هب أفراد القبيلة الغازية لموازرة الغازين بغض النظر عمّا إِذا كان الغزو لغرض عادل أو ظالم، ونرى في وقتنا الحاضر - أيضاً - آثار هذا المبدأ الجاهلي في العلاقات الدولية، وبالذات لدى الدول المتحالفة حين تهب في الغالب لحماية بعضها البعض، والتضامن والتعاون معاً حيال القضايا الدولية دون رعاية لمبدأ العدالة ودون تمييز بين الظالم والمظلوم: لقد ألغى الإِسلام هذا المبدأ الجاهلي، ودعى المسلمين إِلى التعاون في أعمال الخير والمشاريع النافعة والبناءة فقط، ونهى عن التعاون في الظلم والعدوان. والطريق في هذا المجال هو مجيء كلمتي "البر" و"التقوى" معاً وعلى التوالي في الآية، حيث أنّ الكلمة الأُولى تحمل طابعاً إِيجابياً وتشير الى الأعمال النافعة، والثانية لها طابع النهي والمنع وتشير إِلى الإِمتناع عن الأعمال المنكرةـوعلى هذا الأساس - أيضاً - فإِن التعاون والتآزر يجب أن يتمّ سواء في الدّعوة إِلى عمل الخير، أو في مكافحة الأعمال المنكرة. وقد استخدم الفقه الإِسلامي هذا القانون في القضايا الحقوقية، حيث حرّم قسماً من المعاملات والعقود التجارية التي فيها طابع الإِعانة على المعاصي أو المنكرات، كبيع الأعناب إِلى مصانع الخمور أو بيع السلاح إِلى أعداء الإِسلام وأعداء الحق والعدالة، أو تأجير محل للإِكتساب لتمارس فيه المعاملات غير الشرعية والأعمال المنكرة (وبديهي أن لهذه الأحكام شروطاً تناولتها كتب الفقه الإِسلامي بالتوضيح). إِنّ إحياء هذا المبدأ لدى المجتمعات الإِسلامية، وتعاون المسلمين في أعمال الخير والمشاريع النافعة البناءة دون الإِهتمام بالعلاقات الشخصية والعرقية والنسبية، والإِمتناع عن تقديم أي نوع من التعاون إِلى الأفراد الذين يمارسون الظلم والعدوان، بغض النظر عن تبعية أو انتمائية الفئة الظالمة، كل ذلك من شأنه أن يزيل الكثير من النواقص الإِجتماعية. أمّا في العلاقات الدولية، فلو امتنعت دول العالم عن التعاون مع كل دولة معتدية - أيّاً كانت - لقضي بذلك على جذور العدوان والإِستعمار والإِستغلال في العالم، ولكن حين ينقلب الوضع فتتعاون الدول مع المعتدين والظالمين بحجّة أنّ مصالحهم الدولية تقتضي ذلك، فلا يمكن توقع الخير أبداً من وضع كالذي يسود العالم اليوم. لقد تناولت الأحاديث والروايات الإِسلامية هذه القضية بتأكيد كبير، ونوردـهنا - بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر: 1 - نقل عن النّبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا المجال قوله: "إِذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الظلمة وأعوان الظلمة وأشباه الظلمة حتى من برىء لهم قلما ولاق لهم دواة؟ قال: فيجتمعون في تابوت من حديد ثمّ يرمى بهم في جهنّم"(5). 2 - نقل عن صفوان الجمال، وهو أحد أنصار الإِمام السابع موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام)، بأنّه تشرف بلقاء الإِمام(عليه السلام) فقال له الكاظم(عليه السلام): يا صفوان كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً. قلت: جعلت فداك، أي شيء؟ قال: اكراؤك جمالك من هذا الرجل، يعني هارون. قال: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو ولكنّي أكريته لهذا الطريق - يعني طريق مكّة - ولا أتولاّه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني. فقال لي: ياصفوان، أيقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم. قال: من أحب بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النار... إِلى آخر الحديث(6). وفي حديث عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاطب به عليّاً(عليه السلام) قائلا: "يا علي كفر بالله العلي العظيم من هذه الأُمّة عشرة... وبائع السلاح لأهل الحرب"(7). 1- البحار، الجزء السادس عشر، ص 144. 2- أصول الكافي، ج 2، ص 162. 3- مستدرك الوسائل، ج 2، ص 250. 4- إِذا جاءت كلمة "نعم" مفردة فهي تعني الإِبل، وإِذا جاءت جمعاً فتعني الأنواع الثلاثة، مفردات الراغب مادة (نعم). 5- لو قلنا: إنّ كلمة "بهيمة" تعني الحيوانات وحدها دون الأجنة، لكانت إضافة كلمة "بهيمة" إِلى كلمة "أنعام" إضافة بيانية، أمّا إذا قلنا: إنها تعني الأجنة أيضاً، تكون هذه الإِضافة "لامية". 6- طبيعي أن جملة "إِلا ما يتلى عليكم" هي جملة إستثنائية، وإن جملة "غير محلي الصيد" هي حال من ضمير "كم" وتكون نتيجة للإِستثناء بحسب المعنى. 7- سورة البقرة، الآية 158 وسورة الحج، الآيتان 32 و36. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ﴾ حدوده أو فرائضه أو مناسكه أو دينه جمع شعيرة أي علامة ﴿وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ بالقتال فيه ﴿وَلاَ الْهَدْيَ﴾ ما أهدي إلى الكعبة ﴿وَلاَ الْقَلآئِدَ﴾ جمع قلادة هي ما قلد به الهدي من نعل وغيره علامة له ﴿وَلا آمِّينَ﴾ قاصدين ﴿الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ بأن تقاتلوهم ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾ ثوابه ورضاه عنهم في الآخرة والجملة حال من مستكن آمين تشعر بعلة المنع ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ﴾ من الإحرام ﴿فَاصْطَادُواْ﴾ إن شئتم ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ لا يحملنكم ﴿شَنَآنُ قَوْمٍ﴾ شدة بغضهم ﴿أَن﴾ لأن ﴿صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ يعني عام الحديبية ﴿أَن تَعْتَدُواْ﴾ بالانتقام وقتالهم ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾ فعل الطاعة وترك المعصية ﴿وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ المعاصي وتعدي حدود الله ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾ في أوامره ونواهيه ﴿إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ لمن عصاه.