لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير بنوإِسرائيل والأرض المقدسة: جاءت هذه الآيات لتثير لدى اليهود دافع التوجه إِلى الحق والسعي لمعرفته يأوّ، وإِيقاظ ضمائرهم حيال الأخطاء والآثام التي إرتكبوها ثانياً، ولكي تحفزهم إِلى السعي لتلافي اخطائهم والتعويض عنها، ويذكرهم القرآن في الآية الأُولى بما قاله النّبي موسى(عليه السلام) لأصحابه حيث تقول: (وإِذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم...). ولا يخفى أنّ عبارة (نعمة الله) تشمل جميع الأنعم الإِلهية، لكن الآية استطردت فبيّنت ثلاثاً من أهم هذه النعم، أوّلها نعمة ظهور أنبياء وقادة كثيرين بين اليهود، والتي تعتبر أكبر نعمة وهبها الله لهم، فتقول الآية: (إِذ جعل فيكم أنبياء...) وقد نقل أنّ في زمن موسى بن عمران وحده كان يوجد بين اليهود يسبعون نبيّاً، وإِنّ السبعين رج الذين ذهبوا مع موسى(عليه السلام) إِلى جبل "الطور" كانوا كلهم بمنزلة الأنبياء. وفي ظل هذه النعمة (نعمة وجود الأنبياء) نجى اليهود من هاوية الشرك والوثنية وعبادة العجل وتخلصوا من مختلف أنواع الخرافات والأوهام والقبائح والخبائث، لذلك أصبحت هذه النعمة أكبر النعم المعنوية التي أنعم الله بها على بني إِسرائيل. بعد هذا تشير الآية إِلى أكبر نعمة مادية وهبها الله لليهود فتقول: (وجعلكم ملوكاً...) وتعتبر هذه النعمة - أيضاً - مقدمة للنعم المعنوية، فقد عانى بنوإِسرائيل لسنين طويلة من ذل العبودية في ظل الحكم الفرعوني، فلم يكونوا ليمتلكوا في تلك الفترة أي نوع من حرية الإِرادة، بل كانوا يعاملون معاملة البهائم المكبلة في القيود، وقد أنقذهم الله من كل تلك القيود ببركة النّبي موسى بن عمران(عليه السلام)وملكهم مصائرهم ومقدراتهم. وقد ظن البعض أنّ المراد من كلمة "الملوك" الواردة في الآية هم الملوك والسلاطين الذين ظهروا من سلالة بنيإِسرائيل، في حين أنّ المعروف هو أنّ بنيإِسرائيل لم يحكموا إِلاّ فترة قصيرة، فلم يحظ منهم إِلاّ القليل بمنزلة الملوكية، بينما الآية - موضوع البحث - تقول: (وجعلكم ملوكاً) وهذه إِشارة إِلى تمتع جميع بنيإِسرائيل بهذه المنزلة، ويتبيّن من هذا أنّ المراد بكلمة "ملوك" الواردة في الآية أن بنيإِسرائيل قد تملكوا مصائرهم ومقدارتهم بعد أن كانوا مكبلين بقيود العبودية في ظل الحكم الفرعوني. إِضافة إِلى ذلك فإِنّ كلمة "ملك" في اللغة لها معان عديدة منها "السلطان" ومنها "المالك لزمان الأُمور" ومنها - أيضاً - المالك لرقبة شيء معين(1). ونقل في تفسير "الدر المنثور" عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثاً جاء فيه: "كانت بنوإِسرائيل إِذا كان لأحدهم خادم ودابة وامرأة كتب ملكاً... ". وتشير هذه الآية في اخرها إِلى أنّ الله قد وهب بنيإِسرائيل في ذلك الزمان نعماً لم ينعم بها على أحد من أفراد البشر في ذلك الحين فتقول: (وآتاكم ما لم يؤث أحداً من العالمين) وكانت هذه النعم والوافرة كثيرة الأنواع، فمنها نجاة بنيإِسرائيل من مخالب الفراعنة الطغاة، وإِنفلاق البحر لهم، ونزول غذاء خاص عليهم مثل "المن والسلوى"، وقد أوردنا تفاصيل ذلك في الجزء الأوّل من كتابنا هذا، لدي تفسير الآية (57) من سورة البقرة. الآية التالية تبيّن واقعة دخول بني إِسرائيل إِلى الأرض المقدسة نق عن لسان نبيّهم موسى(عليه السلام) فتقول: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين). وقد اختلف المفسّرون حول المراد بعبارة (الأرض القدسة) الواردة في الآية، وحول موقعها الجغرافي من العالم. فيرى البعض أنّها أرض "بيت المقدس" حيث القدس الشريف، وآخرون يرون أنّها "أرض الشام" وفئة ثالثة ترى أنّها "الأردن وفلسطين" وجماعة أُخرى تقول أنّها أرض "الطور". ولكن لا يستبعد أن يكون المراد من العبارة المذكورة كل أرض الشام التي تشمل جميع الإِحتمالات الواردة، لأنّ هذه الأرض - كما يشهد التاريخ - تعتبر يمهداً للأنبياء، ومهبطاً للوحي، ومح لظهور الأديان السماوية الكبرى، كما أنّها كانت لفترت طوال من التاريخ مركزاً للتوحيد وعبادة الله الواحد الأحد، ونشر تعاليم الأنبياء... لهذه الأسباب كلها سمّيت بـ "الأرض المقدسة" مع أنّ هذا الإِسم يطلق عن منطقة "بيت المقدس" بصورة خاصّة أحياناً (وقد بينا هذا الأمر في الجزء الأوّل من كتابنا هذا). ويستدل من جملة (كتب الله عليكم...) إِنّ الله قد قرر أن يعيش بنوإِسرائيل في الأرض المقدسة بالرغد والرخاء والرفاه (شريطة أن يحموا هذا الأرض من دنس الشرك والوثنية) وأن لا ينحرفوا (عن تعاليم الأنبياء) إِن لم يلتزموا بهذا الأمر سيحيط بهم من قبل الله عذاب أليم شديد. وعلى هذا الأساس لا يوجد أيّ تناقض بين فشل جيل من بنيإِسرائيل الذين خوطبوا بهذه الآية في دخول الأرض المقدسة، وإبتلائهم بالتيه والضياع لمدة أربعين عاماً في الصحارى والقفار، حتى نجح الجيل التالي من بعدهم بدخول تلك الأرض، لا يوجد أيّ تناقض بين ما ذكر وبين جملة (كتب الله عليكم...) لأنّ هذا التقدير الإِلهي والقرار الرباني إِنّما قيد بشروط لم ينفذها ذلك الجيل الأوّل من بنيإِسرائيل، وتوضح هذا الأمر الآيات التالية. ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ﴾ هداكم وأعزكم بهم ولم يجعل في أمة ما جعل منكم من الأنبياء، وقيل: هم الأنبياء ما بين موسى وعيسى مدة 1700 سنة ألف وسبعمائة سنة وهم ألف نبي ﴿وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا﴾ لملك فرعون أو ذوي دور وخدم أو مالكين لأموركم بعد أن كنتم مملوكين للقبط ﴿وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ﴾ من المن والسلوى وفلق البحر وتظليل الغمام وغيرها أو أريد عالمي زمانهم.