الآية التالية تبيّن واقعة دخول بني إِسرائيل إِلى الأرض المقدسة نق عن لسان نبيّهم موسى(عليه السلام) فتقول: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين).
وقد اختلف المفسّرون حول المراد بعبارة (الأرض القدسة) الواردة في الآية، وحول موقعها الجغرافي من العالم.
فيرى البعض أنّها أرض "بيت المقدس" حيث القدس الشريف، وآخرون يرون أنّها "أرض الشام" وفئة ثالثة ترى أنّها "الأردن وفلسطين" وجماعة أُخرى تقول أنّها أرض "الطور".
ولكن لا يستبعد أن يكون المراد من العبارة المذكورة كل أرض الشام التي تشمل جميع الإِحتمالات الواردة، لأنّ هذه الأرض - كما يشهد التاريخ - تعتبر يمهداً للأنبياء، ومهبطاً للوحي، ومح لظهور الأديان السماوية الكبرى، كما أنّها كانت لفترت طوال من التاريخ مركزاً للتوحيد وعبادة الله الواحد الأحد، ونشر تعاليم الأنبياء... لهذه الأسباب كلها سمّيت بـ "الأرض المقدسة" مع أنّ هذا الإِسم يطلق عن منطقة "بيت المقدس" بصورة خاصّة أحياناً (وقد بينا هذا الأمر في الجزء الأوّل من كتابنا هذا).
ويستدل من جملة (كتب الله عليكم...) إِنّ الله قد قرر أن يعيش بنوإِسرائيل في الأرض المقدسة بالرغد والرخاء والرفاه (شريطة أن يحموا هذا الأرض من دنس الشرك والوثنية) وأن لا ينحرفوا (عن تعاليم الأنبياء) إِن لم يلتزموا بهذا الأمر سيحيط بهم من قبل الله عذاب أليم شديد.
وعلى هذا الأساس لا يوجد أيّ تناقض بين فشل جيل من بنيإِسرائيل الذين خوطبوا بهذه الآية في دخول الأرض المقدسة، وإبتلائهم بالتيه والضياع لمدة أربعين عاماً في الصحارى والقفار، حتى نجح الجيل التالي من بعدهم بدخول تلك الأرض، لا يوجد أيّ تناقض بين ما ذكر وبين جملة (كتب الله عليكم...) لأنّ هذا التقدير الإِلهي والقرار الرباني إِنّما قيد بشروط لم ينفذها ذلك الجيل الأوّل من بنيإِسرائيل، وتوضح هذا الأمر الآيات التالية.
﴿ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ﴾ الشام أو بيت المقدس أو الطور وما حوله ﴿الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ﴾ أن تكون لنا مسكنا، أو أمركم بدخولها ﴿وَلاَ تَرْتَدُّوا﴾ لا ترجعوا ﴿عَلَى أَدْبَارِكُمْ﴾ منهزمين خوفا من الجبابرة، أو لا ترتدوا على دينكم بالعصيان ﴿فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ الدارين.