والطريف في الأمر أن التوراة المتداولة قد أوردت أجزاء مهمّة من هذه القصة، في الباب الرابع عشر من سفر الأعداد، حيث جاء فيها أن جميع بنيإِسرائيل لاموا موسى وهارون أخاه وقالوا جميعاً: ليتنا متنا جميعاً في أرض مصر أو في الفلاة، فلماذا جاء بنا الرّب إِلى هذه الأرض لكي نقتل بحدّ السيف، وتسبى عيالنا وأطفالنا بعدنا... فحار موسى وأخاه هارون أمام القوم، ماذا يفعلان؟ أمّا يوشع بن نون وكاليب بن يفنة، اللذان كانا من مجموعة الرجال الذين ذهبوا للتجسس على تلك الأرض فقد شقا جيبهما... ثمّ نقرأ في الآية التالية أنّ موسى أصابه اليأس والقنوط من القوم، ورفع يديه يللدعاء مناجياً ربّه قائ: إِنّه لا يملك حرية التصرف إلاّ على نفسه وأخيه، وطلب من الله أن يفصل بينهما وبين القوم الفاسقين العصاة، لكي يلقى هولاء جزاء أعمالهم ويبادروا إِلى إِصلاح أنفسهم، حيث تقول الآية الكريمة في هذا المجال: (قال ربّي إِنّي لا أملك إِلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين).
وبديهي إِنّ رفض بنيإِسرائيل القاطع لأمر نبيهم كان بمثابة الكفر، وما استخدام القرآن لعبارة "الفاسق" بحق هؤلاء إِلا لأن كلمة "الفسق" لها معان واسعة، وتشمل كل خروج وإنحراف عن سنة العبودية لله، ولذلك نقرأ في القرآن الكريم - حين التحدث عن إِنحراف الشيطان - قول الله تعالى: (ففسق عن أمر ربّه...)(6).
وتجدر هنا الإِشارة إِلى أنّ جملة: (من الذين يخافون...) الواردة في الآيات السابقة تدل على وجود قلة من اليهود كانت تخشى الله، ومنهم الرجلان المذكوران في إِحدى الآيات الأخيرة وهما "يوشع" و"كاليب" بينما نلاحظ أن موسى(عليه السلام) لا يذكر هنا غير نفسه وأخيه، ولا يذكر ولو حتى بالتلميح أحداً من تلك القلّة، وقد يكون السبب هو أن هارون لكونه الوصي لأخيه موسى(عليه السلام) ولكونه أبرز شخصية في بنيإِسرائيل من بعد موسى(عليه السلام)... لذلك ذكر اسمه دون غيره.
﴿قَالَ﴾ موسى ﴿رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ﴾ فافصل ﴿بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾.