وأضاف هذا الأخ الصالح - مخاطباً أخاه الذي أراد أن يقتله - أنّه لا يريد أن يتحمل آثام الآخرين، قائلا له: (إِنّي أريد أن تبوأ(1) بإِثمي وإِثمك) (أي لأنّك إِن نفذت تهديدك فستتحمل ذنوبي السابقة أيضاً، لأنّك سلبت مني حق الحياة وعليك التعويض عن ذلك، ولما كنت لا تمتلك عم صالحاً لتعوض به، فما عليك إِلاّ أن تتحمل إثمي أيضاً، وبديهي أنك لو قبلت هذه المسؤولية الخطيرة فستكون حتماً من أهل النار، لأنّ النار هي جزاء الظالمين) كما تقول الآية: (فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين).
نقاط مهمّة يجب الإِنتباه لها:
1 - إِن القرآن الكريم لم يذكر في هذه الآية - ولا في آيات أُخرى - أي اسم لأبناء آدم(عليه السلام): لكن الروايات الإِسلامية تدل على أن ولدي آدم المذكورين في هذه الآية كان اسم أحدهما "هابيل" والآخر "قابيل" وقد ورد في سفر التكوين من التوراة في الباب الرابع أنّ ولدي آدم المذكورين اسمهما "قائن" و"هابيل".
وقد ذكر المفسّر المعروف "أبو الفتوح الرازي" أن هذين الإِسمين قد وردا بألفاظ مختلفة، فالاسم الأوّل جاء فيه "هابيل" و"هابل" و"هابن"، "أما الاسم الثّاني فجاء فيه "قابيل" و"قايين" و"قابل" و"قابن" أو "قبن"، وعلى أي صورة كان الاسم فإِنّ الإِختلاف بين الروايات الإِسلامية ونص التوراة بخصوص اسم "قابيل" نابع عن الإِختلاف اللغوي، ولا يشكل أمراً مهماً في هذا المجال.
والغريب في الأمر أنّ أحد الكتاب المسيحيين قد أورد الإِختلاف المذكور يدلي اعترض به على القرآن، فقال: إِنّ القرآن أورد لفظة "قابيل" بدل "قائن"!
والجواب هو أنّ مثل هذا الإِختلاف اللغوي أمر شائع وبالأخص في مجال يالأسماء - فمث كلمة "إِبراهيم" الواردة في القرآن قد وردت في التوراة على شكل "أبراهام"، كما أنّ القرآن الكريم لم يأت مطلقاً باسم "هابيل" و"قابيل" وقد ورد هذان الإِسمان في الروايات الإِسلامية فقط(2).
2 - إِنّ المعروف عن "القربان" هو أنّه كل شيء يحصل به التقرب إِلى الله، لكن القرآن الكريم لم يذكر شيئاً عن ماهية القربان الذي قدمه ولدا آدم، بينما نقلت الروايات الإِسلامية - والتوراة في سفر التكوين، الباب الرابع - أن "هابيل" كان يمتلك ماشية فاختار أفضل أغنامه ومنتوجاتها للقربان المذكور، وأن "قابيل" الذي كان صاحب زرع، قد اختار لقربانه أردأ الأنواع من زرعه.
3 - لم يرد في القرآن أي توضيح عن الأسلوب الذي عرف به ابنا آدم قبول قربان أحدهما ورفض قربان الآخر عند الله - والذي ورد في هذا المجال هو ما نقلته بعض الروايات الإِسلامية من أنّ هذين الشخصين كانا قد وضعا قربانهما على قمة جبل، فنزلت صاعقة فاحرقت قربان هابيل دلالة على قبوله، وبقي قربان قابيل على حاله لم يمسه شيء، وكانت لهذه العلامة سابقة معروفة أيضاً.
لكن بعض المفسّرين يعتقدون أنّ قبول ورفض القربانين إِنّما أعلنا عن طريق الوحي لآدم (عليه السلام)، وما كان سبب ذلك غير أنّ هابيل كان إِنساناً ذا سريرةنقية ييحبّ التضحية والعفو في سبيل الله فتقبل الله لذلك قربانه، بينما كان قابيل رج ملوث القلب حسوداً معانداً فرفض الله قربانه، والآيات التالية توضح حقيقة ما جبلت عليه نفسا هذين الأخوين من خير وشر.
4 - يستنتج من هذه الآيات - بصورة جلية - أنّ مصدر أولى النزاعات والجرائم في العالم الإِنساني هو "الحسد" ويدلنا هذا الموضوع على خطورة هذه الرذيلة الأخلاقية وأثرها العجيب في الأحداث الإِجتماعية.
﴿إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ﴾ ترجع متلبسا ﴿بِإِثْمِي﴾ بإثم قتلي ﴿وَإِثْمِكَ﴾ الذي كان منك من قبل، أو أن تحمل إثمي لو بسطت إليك يدي وإثمك ببسطك يدك إلي ولم يرد بالذات معصية أخيه وشقاوته، أو أريد بالإثم عقوبته ﴿فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ بظلمك لي ﴿وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ﴾ من قوله أو قول الله.