لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير وحدة الإِنسانية وكرامتها: إِنّ هذه الآية تقوم باستخلاص نتيجة إِنسانية كلية بعد الآيات التي تطرقت إِلى قصّة ولدي آدم(عليه السلام). ففي البداية تشير الآية إِلى حقيقة اجتماعية تربوية مهمّة، وهي أن قتل أيّ إِنسان، إِن لم يكن قصاصاً لقتل إِنسان آخر، أو لم يكن بسبب جريمة الإِفساد في الأرض، فهو بمثابة قتل الجنس البشري باجمعه، كما أنّ إِنقاذ أيّ إِنسان من الموت، يعد بمثابة إِنقاذ الإِنسانية كلّها من الفناء، حيث تقول الآية الكريمة: (من أجل(1) ذلك كتبنا على بنيإِسرائيل أنّه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعاً). ويرد هنا سؤال وهو: كيف يكون قتل إِنسان واحد مساوياً لقتل الناس جميعاً، وكيف يكون إِنقاذ إِنسان من الموت بمثابة إِنقاذ الإِنسانية جمعاء من الفناء؟ ولقد وردت أجوبة عديدة من قبل المفسّرين على هذا السّؤال... جاء في تفسير "التبيان" ستة أجوبة عليه، وفي "مجمع البيان" خمسة أجوبة، وفي "كنز العرفان" أربعة أجوبة، ولكن بعضاً من هذه الأجوبة يبتعد كثيراً عن معنى هذه الآية. وكما قلنا في بداية تفسير هذه الآية، فإِنّها تتحدث عن حقيقة اجتماعية يتربوية، لانّه: أوّلا: إِن من يقتل إِنساناً بريئاً ويلطخ يده بدم بريء يكون - في الحقيقة - مستعداً لقتل أناس آخرين يساوونه في الإِنسانيه والبراءة، فهو - في الحقيقة - إنسان قاتل، وضحيته إنسان آخر بريء، ومعلوم أنّه لا فرق بين الأبرياء من الناس من هذه الزاوية. كما أنّ أي إِنسان يقوم - بدافع حب النوع الإِنساني - بإِنقاذ إِنسان آخر من الموت، يكون مستعداً للقيام بعملية الإِنقاذ الإِنسانية هذه بشأن أيّ إِنسان آخر، فهذا الإِنسان المنقذ يحبّ إِنقاذ الناس الأبرياء، لذلك لا فرق لديه بين إِنسان بريء وآخر مثله. ونظراً لكلمة "فكأنّما" التي يستخدمها القرآن في هذا المجال، فإِننا نستدل بأن موت وحياة إِنسان واحد، مع أنّه لايساوي موت وحياة المجتمع، إِلاّ أنّه يكون شبيهاً بذلك. وثانياً: إِنّ المجتمع يشكل في الحقيقة كياناً واحداً، واعضاؤه أشبه بأعضاء الجسد الواحد، وأنّ أي ضرر يصيب أحد اعضائه يكون أثره واضحاً - بصورة أو بأُخرى - في سائر الأعضاء، ولأنّ المجتمع البشري يتشكل من الأفراد، لذلك فإِن فقدان أي فرد منهم يعتبر خسارة للجميع الإِنساني الكبير، لأنّ هذا الفقدان يترك أثراً بمقدار ما كان لصاحبه من أثر في المجتمع، لذلك يشمل الضرر جميع أفراد المجتمع. ومن جانب آخر فإِن إحياء فرد من أفراد المجتمع، يكون - لنفس السبب الذي ذكرناه - بمثابة إحياء وإنقاذ جميع أفراد المجتمع، لأنّ لكل إِنسان أثر بمقدار وجوده في بناء المجتمع الإِنساني وفي مجال رفع احتياجاته، فيكون هذا يالأثر قلي بالنسبة للبعض وكثيراً بالنسبة للبعض الآخر. وحين نقرأ في الروايات أنّ جزاء وعقاب قاتل النفس المحرمة، يكون كجزاء قاتل جميع أفراد البشر، إِنّما ذلك إِشارة لهذا المعنى الذي ذكرناه، ولا يعني أنّ الناس متساوون مع بعضهم في كل الجهات، ولذلك نقرأ في تفسير هذه الروايات - أيضاً - أن عقاب القاتل يتناسب مع عدد الأفراد الذين قتلهم تناسباً طريداً قلة وزيادة. وتبيّن هذه الآية بجلاء أهمية حياة وموت الإِنسان في نظر القرآن الكريم، وتتجلى عظمة هذه الآية أكثر حين نعلم أنّها نزلت في محيط لم يكن يعير أي أهمية لدماء أفراد الإِنسانية. وتلفت الإِنتباه في هذا المجال روايات عديدة ذكرت أنّ هذه الآية مع أنّها تتحدث - أو يشير ظاهرها - إِلى الحياة والموت الماديين، إِلاّ أنّ الأهمّ من ذلك هو الموت والحياة المعنويين، أي إِضلال النفرد أو إِنقاذ من الضلال، وقد سأل شخص الإِمام الصّادق(عليه السلام) عن تفسير هذه الآية فأجابه (عليه السلام)ي قائ: "من حرق أو غرق - ثمّ سكت(عليه السلام) - ثمّ قال: تأويلها الأعظم أنّ دعاها فاستجابت له". وفحوى قول الإِمام الصّادق(عليه السلام) في هذه الرواية هو الإِنقاذ من الحريق أو الغرق ثمّ يستطرد الإِمام(عليه السلام) - بعد سكوت - فيبيّن أن التأويل الأعظم لهذه الآية هو دعوة الغير إِلى طريق الحق والخير أو الباطل والشر، وتحقق القبول من الجانب الآخر المخاطب بهذه الدّعوة(2). والسوال الآخر الذي يمكن أن يرد في هذا المجال أيضاً، هو عن سبب ورود اسم بنيإِسرائيل بالذات في هذه الآية، مع أنّها تشمل حكماً لا يخص هذه الطائفة؟ ويمكن القول في الحواب بأن سبب الإِتيان باسم بنيإِسرائيل في هذه الآية هو أن هذه الطائفة قد شاعت بينها حوادث القتل وإِراقة الدماء، وبالأخص ما كان منها ناشئاً عن الحسد وحبّ الذات والأنانية وحبّ التسلط، وما زال الذين يتعرضون للقتل على أيدي هذه الطائفة - في الوقت الحاضر - هم الأبرياء من الناس غالباً، ولهذا السبب ورد هذا الحكم الإِلهي - لأوّل مرّة - في سيرة بنيإِسرائيل! وتشيرالآية في آخرها - إِلى انتهاكات بنيإِسرائيل، فتؤكّد أن هذه الطائفة على الرغم من ظهور الأنبياء بينهم يحملون الدلائل الواضحة لإِرشادهم، إِلاّ أنّ الكثير منهم قد نقضوا وانتهكوا القوانين الإِلهية، واتبعوا سبيل الإِسراف في حياتهم، حيث تقول الآية: (ولقد جاءتهم رسلنا بالبيّنات ثمّ إنّ كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرقون). ويجدر الإِنتباه إِلى أنّ كلمة "إِسراف" لها معان واسعة، تشمل كل تجاوز أو تعد عن الحدود، ولو أنّها تستخدم في الغالب في مجال الهبات والنفقات. ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ وغيرهم ﴿أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ﴾ قتل ﴿نَفْسٍ أَوْ﴾ بغير ﴿فَسَادٍ فِي الأَرْضِ﴾ كالشرك وقطع الطريق ﴿فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ فإنه هتك حرمة الدماء وسن القتل وجرأ الناس عليه، أو لاستواء قتل الواحد والجميع في استجلاب العذاب ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾ أنقذها من سبب هلكة ﴿فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ لما مر ﴿وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ﴾ بعد ما كتبنا عليهم وجاءتهم الرسل بالآيات الواضحة ﴿فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ مجاوزون الحد بالقتل والشرك.