لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ توجه الآية الأُخرى الخطاب إِلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتقول: (ألم تعلم أنّ الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير). ويجدر الإِنتباه هنا إِلى عدّة نقاط، وهي: أ - شروط معاقبة السارق: لقد بيّن القرآن الكريم في الآيات الأخيرة التي تطرقت لحكم السرقة أساس للقضية، على عادته بالنسبة لسائر الأحكام، وقد ترك التفصيل في ذلك إِلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) . والذي يستدل من مجموع الروايات الإِسلامية هو أن تنفيذ هذا الحد الإِسلامي (أي قطع اليد) مقيد بشروط كثيرة، لا يجوز - بدون تحققها - المباشرة بإِجراء الحدّ، ومن هذه الشروط. 1 - أن يكون الحدّ الأدنى لثمن الشيء المسروق مبلغ ربع دينار(1). 2 - أن تتمّ السرقة من مكان محفوظ، أي أن تكون من دار أو محل للكسب أو من جيوب ومخابىء داخلية. 3 - أن لا تكون السرقة في زمن الجفاف أو المجاعة التي يعاني الناس فيها من الجوع لعدم حصولهم على المواد الغذائية. 4 - أن يكون السارق - أثناء اّرتكابه لجريمة السرقة - بالغاً عاق حر الإِرادة. 5 - لا يطبق حدّ السرقة في حالة سرقة الأب من مال ولده، أو الشريك من مال شريكه المخصوص بالشركة. 6 - وقد استثنيت الفاكهة المسروقة من البساتين من حدّ السرقة. 7 - كما استثنيت من ذلك حالة اشتباه السارق بين ماله ومال غيره. وهناك شروط أُخرى تطرقت إِليها كتب الفقه في باب السرقة. ويجب هنا التأكيد على أنّ السرقة حرام سواء تحققت الشروط المذكورة أعلاه فيها أو لم تتحقق، وأما هذه الشروط فهي مختصة بموضوع الحدّ والعقوبة الخاصّة بالسرقة. والسّرقة بأي شكل حصلت، ومهما كان مبلغ وثمن الشيء المسروق، حرام في الإِسلام. ب - المقدار الذي يجب قطعه من يد السّارق: لقد اشتهر لدى فقهاء الشيعة - استناداً على روايات أهل البيت(عليهم السلام) - أنّ حدّ السرقة يتحقق بقطع أربع من أصابع يد السارق اليمنى فقط دون زيادة، بينما قال فقهاء السنّة بأكثر من ذلك. ج - حدّ السرقة وأقاويل اعداء الإِسلام: كثيراً ما كرر أعداء الإِسلام أو حتى بعض المسلمين من الذين يجهلون أسرار التشريع الإِسلامي، أنّ هذه العقوبة الإِسلامية تتسم بالعنف الشديد، وأنّها لو نفذت في عصرنا الحاضر للزم أن تقطع أيدي الكثير من الناس، وإِن هذا سيؤدي بالإِضافة إِلى حرمان أفراد من أحد أعضاء جسمهم الحساسة سيؤدي إِلى فضيحة الفرد طيلة حياته بسبب الأثر البارز الذي يخلفه حد السرقة مدى العمر. وللردّ على هذا الإِعتراض يجب الإِنتباه إِلى الحقيقة التالية: أوّلا: لقد بيّنا فيما سبق أن حكم السرقة - وفق الشروط التي ذكرناها - لا يشمل كل سارق، فهذا الحكم يشمل فقط تلك المجموعة من السراق الذين يشكلون خطراً على المجتمع. ثانياً: إِنّ إحتمال تنفيذ عقوبة السرقة يقل نظراً للشروط الخاصّة التي يجب توفرها حتى تثبت الجريمة على المتهم بالسرقة. ثانياً: إِنّ أكثر الإِعتراضات التي يوردها الأفراد الذين يجهلون أو الذين لا يعرفون الكثير عن القوانين الإِسلامية، منشؤها النظرة الآحادية الجانب التي يرون ويبحثون بها الحكم الإِسلامي بعيداً عن الأحكام الأخرى، أي أنّهم يفترضون هذا الحكم في مجتمع بعيد كل البعد عن الإِسلام. فلو علمنا أنّ الإِسلام ليس حكماً واحداً فقط، بل يشتمل على مجموعة كبيرة من الأحكام لو طبقت في مجتمع معين لأدت إِلى تحقيق العدالة الإِجتماعية ومكافحة الفقر والجهل، ولأدت إلى تحقيق التعليم والتربية الصحيحين، ولنشرت الوعي والورع والتقوى بين الناس، وبهذا يتّضح لنا ندرة احتمال بروز حوادث تحتاج إِلى تطبيق هذا الحكم أو العقوبة الإِسلامية. ويجب أن لا يجرنا هذا القول إِلى الوهم بأنّ هذا الحكم الإِسلامي لا يجب تطبيقه في المجتمعات المعاصرة، بل المراد من قولنا هذا هو أن تؤخذ كل الشروط المذكورة بنظر الإِعتبار اثناء إِصدار الحكم في هذا المجال. وخلاصة القول: إِنّ الحكومة الإِسلامية مكلّفة بأن توفر لكل أفراد الأُمّة احتياجاتها الأولية وأن توفر لهم التعليم اللازم، وتربي فيهم الملكات والخصال الفاضلة الخيرة، وتحسن إِعدادهم من الناحية الأخلاقية، وطبيعي أنّه إِذا حصل هذا الأمر فلا يظهر في محيط كهذا إِلاّ القليل النادر ممن يرتكبون مخالفة أو جريمة. (2) رابعاً: إِنّ ما نلاحظه اليوم من ارتفاع في عدد السرقات ناجم عن عدم تطبيق هذا الحكم الإِسلامي، بينمايندر في البيئات التي تطبق هذا الحكم بروز مثل هذه الحوادث، فهي تتمتع بوضع أمني جيد فيما يخص حماية أموال الناس، فزوار بيت الله الحرام كثيراً ما تركوا حقائبهم في الأزقة والطرقات دون عين تحرسها فلم يجرؤ أحد على مد يده إِليها الى أن يأتي موظفو ادارة المفقودات ويحملوها الى الادارة حتى يأتي صاحبها ويستردها بعد ذكر العلامات الخاصّة، وأغلب المحلات تفتقد إِلى الأبواب والأوصدة الكافية، وفي هذا الحال لا تمتد يد سارق تحوها. أو يكونوا فقدوا شيئاً ثمّ راجعوا لذلك إِدارة المفقودات فوجده عندها. والأمر الملفت للنظر هو أن هذا الحكم الإِسلامي وعلى الرغم من تطبيقه لعدّة قرون، حيث كان المسلمون ومنذ عصر صدر الإِسلام يعيشون آمنين مطمئنين في ظله، فهو لم ينفذ طيلة تلك الفترة إِلاّ بحق عدد قليل من الأفراد. (3) فهل يعتبر قطع عدد من الأيدي الآثمة لكي ينعم المجتمع لقرون عديدة بالأمن ثمناً غالياً لهذا الأمن؟! د - اعتراضات أُخرى: يقول البعض: إِنّ تنفيذ حدّ أو عقوبة السرقة في سارق من أجل ربع دينار يعتبر منافياً للإِحترام الفائق الذي يفرضه الإِسلام لحياة الإِنسان المسلم وحمايتها من كل خطر، بحيث أنّ الإِسلام فرض دية باهظة مقابل قطع أربعة أصابع من يد أي إِنسان، وقد ذكرت بعض كتب التاريخ بأن هذا السؤال وجهه البعض إِلى العالم الإِسلامي الكبير الشريف المرتضى علم الهدى قبل حوالي ألف سنة، وجاء السؤال في البيت التالي: يد بخمس مئين عسجد وديت-----ما بالها قطعت في ربع دينار؟(4) فأجاب السّيد المرتضى رحمة الله ببيت آخر هو: عزّ الأمانة أغلاها وأرخصها-----ذل الخيانة فافهم حكمة الباري(5) ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ﴾ خطاب للنبي أو لكل أحد ﴿أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاء﴾ من العصاة ﴿وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء﴾ منهم ﴿وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ومنه التعذيب والمغفرة وقدم عليها لمقابلة تقدم السرقة على التوبة أو لتقدم استحقاقه.