فتخاطب الآية النّبي بأن يسأل هؤلاء: إِن كانوا يريدون التعرف على أناس لهم عند الله أشد العقاب جزاء ما اقترفوه من أعمال، حيث تقول: (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله...) (2).
ولا شك أنّ الإِيمان بالله وكتبه ليس بالأمر غير المحمود، وأن المقارنة الجارية في هذه الآية بين الإِيمان وبين أعمال وأفكار أهل الكتاب، هي من باب الكناية، كما ينتقد انسان فاسد انساناً تقياً فيسأل الإِنسان التقي رداً على هذا الفاسد: أيّهما أسوأ الأتقياء أم الفاسدون.
بعد هذا تبادر الآية إِلى شرح الموضوع، فتبيّن أنّ أُولئك الذين شملتهم لعنة الله فمسخهم قروداً وخنازير، والذين يعبدون الطاغوت والأصنام، إِنّما يعيشون في هذه الدنيا وفي الآخرة وضعاً أسوأ من هذا الوضع، لأنّهم ابتعدوا كثيراً عن طريق الحقّ وعن جادة الصواب، تقول الآية الكريمة: (من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أُولئك شرّ مكاناً وأضل عن سواء السبيل) (3).
وسنتطرق إِلى معنى المسخ الذي يتغير بموجبه شكل الإِنسان، وهل أنّ هذا التغير في الشكل يشمل صورته الجسمية، أم المراد التغير الفكري والأخلاقي؟ وذلك عند تفسير الآية (163) من سورة الأعراف، وبصورة مفصلة باذن الله.
﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ﴾ المنقوم ﴿مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ﴾ ولعل ذكرها بدل العقوبة تهكم ونصب تمييزا ﴿مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ لكفره ﴿وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ﴾ مسخوا أصحاب السبت قردة وكفار مائدة عيسى خنازير وقيل المسخان في أهل السبت مسخ شبانهم قردة وشيوخهم خنازير ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ الشيطان بطاعته أو العجل بضم الباء وج التاء على أنه وصف كحذر وبفتح الباء ونصب التاء عطفا على صلة من ﴿أُوْلَئِكَ﴾ الملعونون ﴿شَرٌّ مَّكَاناً﴾ تمييز كنى عن شرارتهم بشرارة مكانهم وهو سقر لأنه أبلغ ﴿وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ﴾ الطريق المستقيم.