ثمّ تبيّن الآية الأُخرى علائم من نوع آخر للمنافقين، فتشير إِلى أنّ كثيراً من هؤلاء في انتهاجهم طريق العصيان والظلم وأكل المال الحرام، يتسابقون بعضهم مع بعضهم الآخر تقول الآية: (وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت...) (1) أي أن هؤلاء يسرعون الخطى في طريق المعاصي والظلم، وكأنّهم يسعون إِلى أهداف تصنع لهم الفخر والمجد، ويتسابقون فيما بينهم في هذا الطريق دون خجل أو حياء.
وتجدر الإِشارة - هنا - إِلى أنّ كلمة "إِثم" قد وردت بمعنى (الكفر) كما وردت لتعني جميع أنواع الذنوب أيضاً، وبما أنّها اقترنت في هذه الآية بكلمة (العدوان) قال بعض المفسّرين: أنّها تعني الذنوب التي تضرّ صاحبها فقط، على عكس العدوان الذي يتعدى طوره صاحبه إِلى الآخرين، كما يحتمل أن يكون مجيء كلمة (العدوان) بعد كلمة (الإِثم) في هذه الآية، من باب ما يصطلح عليه بذكر العام قبل الخاص، وأن مجيء كلمة "السحت" بعدهما هو من قبيل ذكر الأخص.
وعليه فالقرآن قد ذم المنافقين أوّلا لكل ذنب اقترفوه، ثمّ خصص ذنبين كبيرين لما فيهما من خطر - وهما الظلم وأكل الأموال المحرمة، سواء كانت ربا أم رشوة أم غير ذلك.
وخلاصة القول أن القرآن الكريم قد ذم هذه الجماعة من المنافقين من أهل الكتاب، لوقاحتهم وصلفهم وتعنتهم في ارتكاب أنواع الآثام وبالأخص الظلم وأكل المال الحرام، ولكي يؤكّد القرآن قبح هذه الأعمال، قالت الآية: (لبئس ما كانوا يعملون...).
وتدل عبارة (كانوا يعملون) على أنّ هذه الذنوب لم تكن تصدر عن هؤلاء صدفة، بل كانوا يمارسونها دائماً مع سبق اصرار.
﴿وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ﴾ من اليهود ﴿يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ﴾ الكذب أو الكفر ﴿وَالْعُدْوَانِ﴾ تعدي حدود الله ﴿وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ﴾ الحرام كالرشاء