وينبغي الإِلتفات إِلى أنّ الموضوع الذي تتناوله الآية هو الغلو ووحدة المسيح بالله، أو بعبارة أُخرى، هو "التوحيد في التثليث"، ولكن الآية التّالية تشير إِلى مسألة "تعدد الآلهة" في نظر المسيحيين، أي "التثليث في التوحيد"، وتقول: إنّ الذين قالوا أن الله ثالث الأقانيم (2) الثلاثة لا ريب أنّهم كافرون: (لقد كفر الذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة).
إِعتقد كثير من المفسّرين، ومنهم الطبرسي في "مجمع البيان"، والشيخ الطوسي في "التبيان"، والفخر الرازي والقرطبي في تفسيريهما، أنّ الآية السابقة تشير إِلى فرقة من المسيحيين باسم "اليعاقبة" يعتقدون أن الله متحد بالمسيح (ع)، وهذه الآية وردت بشأن فرقة أُخرى هي "الملكانية" و"النسطورية" الذين يقولون بالأقانيم الثلاثة، أو الآلهة الثلاثة.
غير أنّ هذه النظرة عن المسيحية كما سبق أن قلنا - لا تطابق مع الواقع، لأن الإِعتقاد بالتثليث عام بين المسيحيين كافة، كما أن التوحيد بيننا نحن المسلمين عقيدة عامّة قطعية، ولكنّهم في الوقت الذي يعتقدون حقاً بتثليث الأرباب، يؤمنون أيضاً بالوحدة الحقيقية، قائلين أن ثلاثة حقيقيين يؤلفون واحداً حقيقياً!
الظاهر أنّ الآيتين المذكورتين تشيران إِلى جانبين مختلفين لهاتين القضيتين: في الاُولى إِشارة إِلى وحدة الآلهة الثلاثة، وفي الثّانية إِشارة إِلى تعددها، وتوالي المسألتين هو في الحقيقة إِشارة الى واحد من الأدلة الواضحة على بطلان عقيدتهم، فكيف يمكن لله أن يكون واحداً مع المسيح وروح القدس مرّة، ومرّة أُخرى يكون ثلاثة أشياء؟ أمن المعقول أن يتساوى الثلاثة مع الواحد؟!
إنّ ما يؤيد هذه الحقيقة هو أنّنا لا نجد بين المسيحيين أية طائفة لا تؤمن بالآلهة الثلاثة! (3)
ويرد القرآن عليهم رداً قاطعاً فيقول: (وما من إِله إِلاّ إِله واحد) وفي ذكر "من" قبل "إِله" نفي أقوي لأي معبود آخر.
ثمّ ينذرهم بلهجة قاطعة: (وإِن لم ينتهوا عما يقولون ليمسنّ الذين كفروا منهم عذاب أليم).
﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ﴾ آلهة ﴿ثَلاَثَةٍ﴾ أي أحدها والآخران عيسى وأمه ﴿وَمَا﴾ في الوجود ﴿مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ﴾ من للبيان وعدل عن وليمسنهم تكريرا للشهادة بكفرهم أو للتبعيض أي الذين بقوا منهم على الكفر لأن منهم من تاب ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ مؤلم.