لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
والآية التي بعدها تتناول القسم الذي يقسم به الإِنسان في حالة تحريم الحلال وفي غيره من الحالات بشكل عام، ويمكن القول أنّ القسم نوعان: فالاُولى: هو القسم اللغو، فيقول: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم). في تفسير الآية (225) من سورة البقرة - التي تتناول موضوع عدم وجود عقاب على اللغو في الأيمان - قلنا: إِنّ المقصود باللغوّ في الأيمان - كما يقول المفسّرون والفقهاء - الأيمان التي ليس لها هدف معين ولا تصدر عن وعي وعزم إِرادي، وإِنما هي قسم يحلف به المرء من غير تمعن في الأمر فيقول: والله وبالله، أو لا والله ولا بالله، أو إِنّه في حالة من الغضب والهياج يقسم دون وعي. ويقول بعضهم: إنّ الإِنسان إِذا كان واثقاً من أمر فاقسم به، ثمّ ظهر أنّه قد أخطأ، فقسمه - يعتبر أيضاً - من نوع اللغو في الأيمان، كأن يتيقن أحدهم من خيانة زوجته على أثر سعاية بعض الناس ووشايتهم، فيقسم على طلاقها، ثمّ يتّضح له أن ما سمعه بحقّها كان كذباً وافتراء، فإِن قسمه ذاك لا إِعتبار له، إِننا نعلم أيضاً أنّه بالإِضافة إِلى توفر القصد والإِرادة والعزم في القسم الجاد، يجب أن يكون محتواه غير مكروه وغير محرم، وعليه إِذا أقسم أحدهم مختاراً أن يرتكب عملا محرماً أو مكروهاً، فإن قسمه لا قيمة له ولا يلزمه الوفاء به، ويحتمل أن يكون مفهوم "اللغو" في هذه الآية مفهوماً واسعاً يشمل هذا النوع من الأيمان أيضاً. والقسم الثّاني: هو القَسَم الجاد الإِرادي الذي قرره المرء بوعي منه، هذا النوع من القسم هو الذي يعاقب عليه الله إِذا لم يف به الإِنسان: (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان). كلمة "العقد" تعني في الأصل - كما قلنا في بداية سورة المائدة - جمع أطراف الشيء جمعاً محكماً. ومنه تسمية ربط طرفي الحبل بـ"العقدة" ثمّ انتقل هذا المعنى إِلى الأُمور المعنوية، فأطلق على كل إِتفاق وعهد اسم العقد، فعقد الأيمان - كما في الآية - يعني التعهد بكل جد وعزم وتصميم على أمر ما بموجب القسم. بديهي أن الجد وحده في القسم لا يكفي لصحته، بل لابدّ أيضاً من صحة محتواه - كما قلنا - وأن يكون أمراً مباحاً في الأقل، كما لابدّ من القول بأنّ القسم بغير اسم الله لا قيمة له. وعليه إِذا أقسم إِمرؤ بالله أن يعمل عملا محموداً، أو مباحاً على الأقل، فيجب عليه أن يعمل بقسمه، فإن لم يفعل، فعليه كفارة التخلف. وكفارة القسم هي ما ورد في ذيل الآية المذكورة، وهي واحدة من ثلاثة: الاُولى: (فكفارته إِطعام عشرة مساكين)، ولكيلا يؤخذ هذا الحكم على إطلاقه بحيث يصار إِلى أي نوع من الطعام الدنيء والقليل، فقد جاء بيان نوع الطعام بما لا يقل عن أوسط الطعام الذي يعطى لأفراد العائلة عادة: (من أوسط ما تطعمون أهليكم). ظاهر الآية يدل على النوعية المتوسطة، ولكن يحتمل أنّه إِشارة إِلى الكمية والكيفية كليهما، فقد جاء عن الإِمام الصادق (ع) أنّه الحد الوسط من الكيفية، وعن الإِمام الباقر (ع) أنّه الحدّ الوسط من الكمية، الأمر الذي يدل على أن المطلوب هو الحد الوسط من كليهما (3). ولا حاجة للقول بأنّ "الحدّ الوسط" سواء في الكمية أو الكيفية، يختلف بإختلاف المدن والقرى والأزمنه. وقد إِحتمل بعضهم تفسيراً آخر للأوسط، وهو أنّه يعني الجيد الرفيع، وهما من معاني "الأوسط" كما نقرأ في الآية (28) من سورة القلم: (قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون). الثّانية: (أو كسوتهم). من الطبيعي أنّ ذلك يعني الملابس التي تغطي الجسم حسب العادة، لذلك ورد في بعض الرّوايات أنّ الإِمام الصادق (ع) بيّن أنّ المقصود بالكسوة في هذه الآية قطعتا اللباس (الثوب والسروال)، أمّا الرواية المنقولة عن الإِمام الباقر (ع) بأن ثوباً واحداً يكفي، فربّما تكون إِشارة إِلى الثوب العربي الطويل المعروف والذي يكسو الجسم كلّه، أمّا بشأن النسوة فلا شك أنّ ثوباً واحداً لا يكفي، بل لابدّ من غطاء للرأس والرقبة، وهذا هو الحدّ الأدنى لكسوة المرأة لذلك لا يستبعد أن تكون الكسوة التي تعطى كفارة تختلف أيضاً بإختلاف الفصول (4) والأمكنة والأزمنة. أمّا من حيث الكيفية، وهل يكفي الحد الأدنى، أم ينبغي مراعاة الحد الأوسط؟ فإن للمفسرين رأيين في ذلك: 1 - إن كل كسوة تكفي إِذا أخذت الآية على إِطلاقها. 2 - إِنّه ما دمنا قد راعينا الحدّ الأوسط في الإِطعام، فلابدّ أن نراعي هذا الحد في الكساء أيضاً، غير أن الرأي الأوّل أكثر إِنسجاماً مع إِطلاق الآية. الثّالثة: (أو تحرير رقبة). ثمّة كلام بين الفقهاء والمفسّرين عمّا إِذا كانت الرقبة المحررة يجب أن تكون مسلمة، أو أنّ عتق أي عبد يكفي؟ لذلك ينبغي الرجوع إِلى الكتب الفقهية في ذلك، وإِن كانت الآية مطلقة في الظاهر. وهذا ما يدل على أنّ الإِسلام يتوسل بطرق مختلفة لتحرير العبيد، أمّا في الوقت الحاضر حيث يبدو أنّه لا وجود للرق، فإنّ على المسلمين أن يختاروا واحدة من الكفارتين المتقدمتين. ليس ثمّة شك في أنّ هذه المواضيع الثلاثة متباينة من حيث قيمتها تبايناً كبيراً، ولعل القصد من هذا التباين هو حرية الإِنسان في إِختيار الكفارة التي تناسبه وتناسب إِمكاناته المادية. ولكن قد يوجد من لا قدرة له على أيّ منها، لذلك فإنّه بعد بيان تلك الأحكام يقول سبحانه وتعالى: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام). إِذن، فصيام ثلاثة أيّام مقصور على الذين لا قدرة لهم على تحقيق أي من الكفارات الثلاث السابقة، ثمّ يؤكّد القول ثانية: (ذلك كفارة أيمانكم إِذا حلفتم). ومع ذلك، فلكي لا يظن أحد أنّه بدفع الكفارة يجوز للمرء أن يرجع عن قَسَم صحيح أقسمه، يقول تعالى: (واحفظوا أيمانكم). وبعبارة أُخرى: إنّ الإِلتزام بالقَسَم واجب تكليفي، وعدم تنفيذه حرام، والكفارة تأتي بعد الرجوع عن القَسَم. في ختام الآيات يبيّن القرآن أنّ هذه الآيات توضح لكم الأحكام التي تضمن سعادة الفرد والمجتمع وسلامتها لتشكروه على ذلك: (كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تشكرون). ﴿لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ﴾ الكائن ﴿فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ هو الحلف بلا قصد: كلا والله وبلى والله أو على ما أظن أنه كذلك ولم يكن أي لا يؤاخذكم به بعقاب ولا كفارة ﴿وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ﴾ وثقتم ﴿الأَيْمَانَ﴾ عليه إذا حنثتم، أو بنقض ما عقدتم وقرىء عاقدتم ﴿فَكَفَّارَتُهُ﴾ كفارة نكثه ﴿إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ ويجزي الأعلى ﴿أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾ عطف على إطعام وهو مسماها كثوب يواري العورة وقيل ثوبان ﴿أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ إعتاقها وظاهره إجزاء كل رقبة واشترط بعض إيمانها وأو للتخيير الواجب إحدى الخصال الثلاث مطلقا والتعيين للمكفر ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾ إحداها ﴿فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ﴾ وحنثتم ﴿وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ﴾ أن تنكثوها ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ نعمه بتبيين الأحكام.