سبب النّزول
جاء في تفسير "مجمع البيان" وتفسير "الطبري" وتفسير "القرطبي" وغيرها من التفاسير أنّه بعد نزول آية تحريم الخمر والميسر، قال بعض أصحاب رسول الله (ص) : إِذا كان هذان العملان على هذا القدر من الإِثم، فما حال المسلمين الذين توفاهم الله قبل نزول هذه الآية وكانوا ما يزالون يمارسونهما؟ فنزلت هذه الآية جواباً لهم.
التّفسير
تجيب هذه الآية الذين يتساءلون عن الماضين قبل نزول آية تحريم الخمر والميسر، أو الذين لم يسمعوا بعد تلك الآية لبعد مناطقهم التي يعيشون فيها، فتقول: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيها طعموا) (1) ولكنّها تشترط لتلك التقوى والإِيمان والعمل الصالح: (إِذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات)، ثمّ تكرر ذلك (ثمّ اتقوا وآمنوا) وللمرّة الثالثة تكرر الآية بقليل من الإِختلاف (ثمّ اتقوا وأحسنوا)، وتنتهي بالتوكيد (والله يحبّ المحسنين).
هنالك كلام كثير بين المفسّرين القدامى والمحدثين حول هذا التكرار، فبعض يراه للتوكيد ويقول: أنّ أهمية التقوى والإِيمان والعمل الصالح تقتضي الإِعادة والتكرار والتوكيد.
إِلاّ أنّ جمعاً آخر من المفسّرين يعتقدون أنّ كلّ جملة من هذه الجمل المكررة تشير إِلى حقيقة منفصلة عن الأُخرى، وأنّ هناك إِحتمالات متعددة بشأن إِختلاف كل جملة عن الأُخرى، ولكن معظم هذه الإِحتمالات لا يقوم عليها دليل أو شاهد.
ولعل خير ما قيل بهذه الخصوص هو قولهم: أنّ المقصود بالتقوى في المرّة الاُولى هو ذلك الإِحساس الداخلي بالمسؤولية والذي يسوق الإِنسان نحو البحث والتدقيق في الدين، ومطالعة معجزة الرّسول (ص) والبحث عن الله، فتكون نتيجة ذلك الإِيمان والعمل الصالح، وبعبارة أُخرى: إِذا لم يكن في الإِنسان شيء من التقوى فإنّه لا يتجه إِلى البحث عن الحقيقة، وعليه فإن ورد كلمة "التقوى" لأوّل مرّة في هذه الآية إِشارة إِلى هذا المقدار من التقوى، وليس في هذا تناقض مع بداية الآية التي تقول: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات...) لأنّ الإِيمان هنا يمكن أن يكون بمعنى التسليم الظاهري، بينما الإِيمان الذي يحصل بعد التقوى هو الإِيمان الحقيقي.
وتكرار التقوى للمرّة الثّانية إِشارة إِلى التقوى التي تنفذ إِلى أعماق الإِنسان فيزداد تأثيرها، وتكون نتيجتها الإِيمان الثابت الوطيد الذي يؤدي إِلى العمل الصالح، ولذلك لم يرد "العمل الصالح" بعد "الإِيمان" في الجملة الثّانية: (ثمّ اتقوا وآمنوا) أي أنّ هذا الإِيمان من الثبوت والنفاذ بحيث لا حاجة معه لذكر العمل الصالح.
وفي المرحلة الثّالثة يدور الكلام على التقوى التي بلغت حدّها الأعلى بحيث أنّها فضلا عن دفعها إِلى القيام بالواجبات، تدفع إِلى الإِحسان أيضاً، أي إِلى الأعمال الصالحة التي ليست من الواجبات.
وعليه فإنّ هذه الضروب الثلاثة من التقوى تشير إِلى ثلاث مراحل من الإِحساس بالمسؤولية وكأنّها تمثل المرحلة (الإِبتدائية) والمرحلة (المتوسطة) والمرحلة (النهائية)، ولكل مرحلة قرينة تدل عليها في الآية.
أمّا ما ذهب إِليه مفسّرون آخريون بشأن تناول الآية ثلاثة أنواع من التقوى وثلاثة أنواع من الإِيمان فلا قرينة عليه ولا شاهد في الآية.
﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ﴾ من الحلال والمستلذات ﴿إِذَا مَا اتَّقَواْ﴾ المحرم ﴿وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ وثبتوا على الإيمان والعمل الصالح ﴿ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ﴾ ثبتوا على التقوى والإيمان ﴿ثُمَّ اتَّقَواْ﴾ ثبتوا على اتقاء المعاصي ﴿وَّأَحْسَنُواْ﴾ عملهم قيل لما نزل تحريم الخمر قالت الصحابة للنبي كيف إخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فنزلت.
وقيل في الذين تعاهدوا على ترك الطيبات ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ يثيبهم ويكرمهم.