لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
فاستجاب الله لهذا الطلب الصادر عن حسن نية وإِخلاص، (قال الله إِني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذبه عذاباً لا اُعذبه أحداً من العالمين). فبعد نزول المائدة تزداد مسؤوليات هؤلاء وتقوى الحجة عليهم، ولذلك فإنّ العقاب سيزداد أيضاً في حالة الكفر والإِنحراف. ملاحظات: هنا لابدّ من التحقيق في عدّة نقاط من هذه الآيات الكريمة: 1 - ما القصد من طلب المائدة؟ لاشك أنّ الحواريين لم يكونوا مدفوعين بقصد سيء في طلبهم هذا، ولا هم كانوا يريدون المشاكسة والمعاندة، بل كانوا يرغبون في بلوغ مرحلة الإِطمئنان الأقوى وإِبعاد ما بقي من رواسب الشك والوسوسة من أعماقهم، فكثيراً ما يحدث أنّ انساناً يتأكد من أمر بالمنطق وحتى بالتجربة، ولكن إِذا كان الأمر مهماً جدّاً فإنّ بقايا من الشك والتردد تظل في ثنايا قلبه، لذلك فهو شديد الرغبة في أن تتكرر تجاربه واختباراته، أو أن تتبدل استدلالاته المنطقية والعلمية إِلى مشاهدات عينية تقتلع من أعماق قلبه جذور تلك الشكوك والوساوس، ولهذا نرى إِبراهيم (ع)، على ما كان عليه من مقام ويقين يسأل الله أن يرى المعاد رأي العين لكي يتبدل إِيمانه العلمي إِلى "عين اليقين" وإِلى "شهود". ولكن اُسلوب طلب الحواريين تميز بشيء من الفضاضة لذلك ظن عيسى (ع) أنّهم بصدد البحث عن الأعذار والحجج، فاعترضهم وبعد أن شرحوا له حقيقة موقفهم وافق على طلبهم. 2 - ما المقصود بعبارة (هل يستطيع ربّك) ؟ لا شك أنّ ظاهر هذا الكلام يوحي بأنّ الحواريين كانوا يشكون في قدرة الله على إِنزال مائدة، إِلاّ أنّ المفسّرين المسلمين لهم آراء أُخرى في تفسيرها، منها أنّ هذا الطلب وقع في بداية أمرهم وقبل أن يتعرفوا على جميع صفات الله. ورأي آخر يقول: إِنّ سؤالهم يعني: هل يرى الله أن من المصلحة أن ينزل عليهم مائدة من السماء؟ كأن يقول شخص: لا أستطيع أن أعهد إِلى فلان بكل ثروتي، ولا يعني أنّه ليس بقادر على ذلك، بل يعني أنّه لا يرى مصلحة في الأمر. ورأي ثالث يقول: أن "يستطيع" تعني "يستجيب" لأن مادة (طوع) تعني الإِنقياد، فإِذا وردت من باب (الإِستفعال) فيمكن أن تفيد المعنى نفسه، فيكون المعنى: هل يستجيب الله لطلبنا بشأن إِنزال مائدة من السماء؟ 3 - ما هي تلك المائدة السماوية؟ لم يذكر القرآن شيئاً عن محتوياتها، ولكن يستفاد من بعض الأحاديث، وخاصة الحديث المروي عن الإِمام الباقر (ع)، أن تلك المائدة كانت تحوي أرغفة من الخبز ومقداراً من السمك، ولعل سبب طلب هذه المعجزة كان ما سمعوه عن المائدة السماوية التي نزلت على بني إِسرائيل باعجاز من موسى (ع) فطلبوا هم أيضاً من عيسى (ع) مثل ذلك. 4 - هل نزلت عليهم مائدة؟ رغم أنّ الآيات المذكورة تكاد تصرح بنزول المائدة، فالله لا يخلف وعده، ولكن العجيب أنّ بعض المفسّرين يشكون في نزول المائدة، ويقولون: أنّ الحواريين حين عرفوا عظم المسؤولية التي سوف تقع عليهم بعد نزول المائدة، تخلوا عن طلبهم، ولكن الواقع أنّ المائدة قد نزلت فعلا. 5 - ما العيد؟ "العيد" في اللغة من "العود" أي الرجوع، لذلك فذكرى الأيّام التي تنداح فيها المشاكل عن قوم أو مجتمع وتعود أيام الفوز والهناء الأوّل تكون عيداً. كذلك هي الأعياد الإِسلامية فبعد شهر من طاعة الله في صوم رمضان، أو بعد أداء فريضة الحج العظيمة، يعود إِلى النفس طهرها وصفاؤها الأولين الفطريين، ويزول التلوث عن الفطرة، فيكون العيد، ولما كان يوم نزول المائدة يوم العودة إِلى الفوز والطهارة والإِيمان بالله، فقد سمّاه المسيح (ع) عيداً. وقد ورد في الأخبار أنّ نزول المائدة كان في يوم الأحد، ولعل هذا هو سبب الإِحترام الذي يكنه المسيحيون لهذا اليوم. إِنّنا نقرأ لأمير المؤمنين علي (ع) قوله: "وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو يوم عيد" (2). وفي هذا إِشارة إِلى الموضوع نفسه، لأنّ يوم ترك المعصية هو يوم فوز وطهارة وعودة إِلى الفطرة الاُولى. 6 - لماذا العقاب الشديد؟ هنا أمر مهم ينبغي ألا نغفل عنه، وذلك أنّه عندما يبلغ الإِيمان مرحلة الشهود وعين اليقين أي عندما ترى الحقيقة رأي العين، ولا يبقى مكان لأي شك أو تردد، فإنّ مسؤولية المرء تزداد وتثقل، لأنّ هذا المرء لم يعد ذلك الذي كانت تنتابه الوساوس والشكوك من قبل، بل هو امرؤ ورد مرحلة جديدة من الإِيمان وتحمل المسؤولية، فأقل تقصير أو غفلة من جانبه يستدعي العقاب الشديد، ولهذا فإنّ مسؤولية الأنبياء وأولياء الله أشد وأثقل، بحيث أنّهم كانوا في خشية دائمة منها، إِننا في الحياة اليومية نصادف نماذج من هذا القبيل أيضاً، فمثلا يعلم كل شخص أنّ في بلده أو مدينته جياعاً يتحمل مسؤوليتهم، ولكنه عندما يرى بعينيه انساناً بريئاً يتضور جوعاً ويتألم سغباً، فلا شك أنّ درجة مسؤوليته تكون عندئذ أعلى. 7 - "العهد الجديد" والمائدة في الأناجيل الأربعة الموجودة حالياً لا نجد كلاماً عن المائدة كما في القرآن، عدا ما جاء في إِنجيل يوحنا، في الباب (21)، حول استضافة المسيح الإِعجازية جمعاً من الناس بالخبز والسمك، ولكننا بقليل من التفحص ندرك أنّ ذلك لا علاقة له بالمائدة التي نزلت من السماء للحواريين (3). ثمّة كلام في كتاب "أعمال الرسل" وهو من كتب العهد الجديد، يدور حول نزول مائدة على أحد الحواريين واسمه بطرس، ولكن هذا أيضاً ليس هو الموضوع الذي نحن بصدده، غير أنّنا نعلم أن كثيراً من الحقائق التي نزلت على عيسى (ع) لا أثر لها في الأناجيل السائدة، كما أن كثيراً ممّا نراه في هذه الأناجيل لم ينزل على المسيح (ع) (4). ﴿قَالَ اللّهُ﴾ مجيبا لهم ﴿إِنِّي مُنَزِّلُهَا﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ﴾ الهاء للمصدر ﴿أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾ فنزلت الملائكة بها عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات فأكلوا منها، وروي أنها كانت تنزل فيأكلون منها ثم ترفع فمنع مترفوهم سفلتهم منها فرفعت ببغيهم ومسخوا قردة وخنازير.